بين مد الحرب وجزر الإبداع

الملحق الثقافي- حسام حمدان :

الأدب والحرب كلاهما، أنشطة يقوم بها الإنسان أو يشارك بها، إما للتعبير عن ذاته وحاجاته وأحاسيسه وعواطفه وأفكاره وهواجسه، ولتوثيق وجوده الإنساني أو للدفاع عن نفسه وممتلكاته ووجوده.
وبمتابعة التاريخ الإنساني نرى أن كلاً من هذين النشاطين يؤثر في الإنسان، وفي طريقة عيشه، مثلما يؤثران على بعضهما بعضاً.
فالأدب يتأثر بالحرب لأن منجزه (الأديب) هو إنسان بالنهاية، وهو كائن اجتماعي يتأثر بالظروف المحيطة وبالأحداث التاريخية والدراماتيكية المملوءة بالتراجيديا التي ترافق الحرب، كالدمار العمراني والخراب الاقتصادي والأذى النفسي للإنسان المعرض لفقد أحبابه كالأب المعيل والأم الحانية أو الأخ أو الصديق… الخ، وحتى الطبيعة والبيئة لا تسلمان من خراب الحرب.
إن الأحداث التي يشهدها المجتمع في أتون الحرب، هي فرصة ومصدر إلهام للكاتب والمفكر والفنان، لإظهار إبداعاتهم وتسجيل مواقفهم الإنسانية والسياسية والفكرية، فالحرب محرض على خلق آثار أدبية وفنية مؤثرة ورائعة حين تلتقط أحداثها مخيلة روائي بارع أو عاطفة شاعر مرهف الحس وصادق المشاعر أو ريشة فنان مبدع أو عدسة سينمائي موهوب.
إن تصوير أحاسيس المقاتلين وخوفهم واضطرابهم في ساحة المعركة وانكسارهم ساعة فقدان صديق وفرحهم عند الانتصار، وتساؤلات الإنسان وغيرها. كلها مواضيع وأحداث هامه وموحية ومادة أولية لبناء صرح الجمال الذي ينشده الفنان والكاتب.
فمنذ صراع قابيل وهابيل، إلى صراع الوجود للإنسان الأول مع الوحوش الضارية التي تريد مطاردته وافتراسه، إلى معركته في اصطياد الحيوانات التي يقتات عليها، مروراً بقصص صراعه مع أبناء جنسه للحفاظ على ممتلكاته وموارد عيشه من غذاء وماء، إلى الحربين العالمية الأولى والثانية والى الحروب الدولية والإقليمية الكثيرة التي لا تكاد تهدأ حتى تندلع من جديد.
يتفق الجميع على دور الحرب في ظهور أعمال أدبية مهمة ألهمت الفكر الإنساني منذ مئات السنين.
ـ ملحمتا «الإلياذة والأوديسا»، للشاعر اليوناني هوميروس «معركة طروادة»
ـ توثيق الأدباء الروس للحروب في تاريخ روسيا، رواية الحرب والسلام لليو تولستوي … الخ
وبالمقابل فكما تؤثر الحروب في الأدب كذلك تؤثر الأعمال الأدبية في الحرب من خلال تأثيرها في الإنسان الذي يحارب أو يتأثر بالحرب، فهي قادرة على بث روح المقاومة في الشعب في صراعه ضد القوى التي تهدد كيانه وتعرضه للخطر والزوال، كما أنها قادرة على تحريك مشاعره وتحريضه وإلهاب حماسته للمشاركة في المعارك، ما يؤدي لتحقيق النصر وتحقيق الأهداف.
ما ينطبق على الأدب ينطبق على الفنون التشكيلية والموسيقا والمسرح والسينما والرقص، وهي أعمال تمارسها مجموعة من الأفراد ضمن منظور أشمل وأعمق يشكل الثقافة بمفهومها الواسع.
ومن مراقبتنا للمشهد الثقافي السوري أيام الحرب التي مرت خلال السنوات الماضية نسعى إلى تقديم سرد لبعض المحطات التي عايشتها الثقافة السورية بعيداً عن الإغراق في التفاصيل والتي تحتاج لبحث أوسع.
الموسيقا:
لم تستطع طبول الحرب وأصوات القذائف والانفجارات إخفاء صوت الموسيقا الذي ارتفع في صالات المسارح والساحات ليغطي على آهات مدن مثخنة بالجراح.
لقد خسرت سورية في الحرب الكثير من موسيقييها بسبب الهجرة إلى الخارج. ورغم ذلك حاول الكثيرون ممن بقوا المحافظة على الفرق الموسيقية الموجودة وتأسيس فرق جديدة، وعلى استمرار حيوية النشاط الموسيقي عبر إقامة الحفلات الموسيقية، أو تنظيم الدورات الموسيقية للكبار والأطفال في مناطق مختلفة من البلاد.
ونشط في السنوات الأخيرة مشروع الفنان الذي خسرناه مؤخراً (لروحه الرحمة) حسام الدين بريمو، في تقريب الموسيقا للأطفال.
ومن إنتاج إحدى هذه الفرق أغنية «يا سامعين الصوت» التي أداها الطفل عبد الرحيم الحلبي. التي تقول كلماتها:
أنا الطفل اللي عم بينادي وناطر يجيني الردّ
على جمر الدني الماطر ودربها اللي سيفه حدّ
بالأمل صابر وناطر وغدّ يطوي غدّ
بكاني صوتي وردّ معقولة ما حدا سامع
الفن التشكيلي:
كان حلم الفنانة التشكيلية الألمانية أورسولا باهر أن تعرض لوحاتها في سورية، وبالفعل وصلت أورسولا إلى سورية وافتتح معرضها.
ووجهت بعد الافتتاح رسالة إلى الشعب السوري قالت فيها:
« أنتم انتصرتم أيها السوريون لأنكم على حق وأنا قدمت إليكم لأنني أحبكم ووضعي الصحي صعب وإذا وافتني المنية هنا فوصيتي أن أدفن في تراب سورية لأنها بلد الشهداء».
وقامت أورسولا من خلال معرضها بتصوير بطولات الجيش العربي السوري وتضحيات جنوده وإباء أسراه، وحاولت نقل حقيقة ما يجري من عدوان على سورية عبر 46 عملاً فنياً، أوصلت من خلاله رسائل للعالم أجمع عما عرفته من تشويه وتضليل للأحداث السورية، فكل لوحة في المعرض كانت ملحمة بحد ذاتها، ترسم صور ومعاناة الشعب السوري ولا سيما الأطفال.
أبى القدر إلا أن يحقق حلم أورسولا، التي غيبها الموت بعد يوم واحد فقط من افتتاح المعرض في دمشق 9-10-2018، ليتحقق حلمها ووصيتها الأخيرة في أن تدفن في سورية.
السينما:
تركت الحرب السورية الدامية ندوباً على الجسد السوري يصعب محوها، وهي على قسوتها بالنسبة للسينمائيين كانت مادة غنية قادرة على إعادة صياغة المفاهيم التي تمزقت فأظهرت حقيقتنا العارية دون رتوش..
كانت قادرة على بلسمة الجروح أو فتحها، وعلى تقوية الإنسان السوري أو خزلانه، على وصول ضوء الشمس أو استمرار التعتيم.
وككل أزمة انقسم الناس حولها وتمايزت مواقفهم وأدوارهم، وانقسم السينمائيون.
البعض فضل العمل وفق قناعاته، والبعض الآخر استسلم للضغوط والإغراءات أو رأى فيها فرصة!!.
بعض المغمورين (بقدرة قادر)! أصبح اسمهم يتردد في المهرجانات العالمية قريباً من منصات التتويج في أعمال مسيسة وممولة !!
والبعض الآخر فضل الانخراط في معركة المصير
بعض الأفلام السورية الطويلة المنتجة خلال أعوام الأزمة:
باسل الخطيب: مريم، الأم، سوريون، دمشق حلب، المطران.
جود سعيد: صديقي الأخير، مطر حمص، رجل وثلاثة أيام، درب السما، نجمة الصبح.
عبد اللطيف عبد الحميد: بانتظار الخريف، الإفطار الأخير، عزف منفرد، طريق النحل، أنا وأنت وأمي وأبي.
نجدت إسماعيل أنزور: رد القضاء، دم النخيل، فانية وتتبدد، رجل الثورة.
محمد عبد العزيز: الرابعة بتوقيت الفردوس، حرائق.
غسان شميط: تحت سرّة القمر، الشراع والعاصفة، ليليت السورية
المشهد الثقافي السوري
يتصف المشهد الراهن بحيوية كبيرة وحراك ملحوظ، إذا نظرنا إلى كثرة الأنشطة الثقافية وإلى كثرة المطبوعات والمنشورات في المواضيع المختلفة التي تنهض بها وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب وعدد من دور النشر الخاصة، والى الأفلام والمسرحيات والندوات والمهرجانات التي تقام بشكل دائم ومتواصل.
ويتصف نفس المشهد بقربه من السكون إذا نظرنا إليه بعين المراقب لعدد الحاضرين لهذه الأنشطة أو المشترين لهذه المنشورات أو بنوعية المناقشات والسجالات التي تسببها ويبدو التراجع الواضح لدور الكتّاب والمنابر والمؤسسات العلمية وللمبدعين عموماً، كما أن الهوة بين الثقافة والجمهور تواصل الاتساع.
الثقافة لا تحتاج لكثرة المنابر التي تؤدي دوراً وظيفياً، ولكنها تحتاج للقيام بنشاط ثقافي حقيقي، لا يهم إن كثر المثقفون وتنوعت أعمالهم إذا بقيت هذه الأعمال أقل فعالية من المطلوب والمفروض وسط معركة المصير والوجود التي تمر بها الأمة.
المشهد الثقافي ليس خاوياً كل الخواء من الإبداع وليس مثقلاً به (إن صح التعبير).
هناك مواهب جميلة وواعدة في شتى منصات الإبداع. وهذا ينسحب على كل ألوان الإبداع: التشكيل، السينما، المسرح الخ. لنأخذ بيدها ولنشجعها.
الحرب فرصة لمد الإبداع حتى يغمر شواطئ العقل السوري والعالمي بكل جميل وإنساني وليس من عذر لجزر يبقي على ظمأ العقول.
نحتاج للثقافة في تجاوز الحال الذي وصلنا إليه و يحتاجنا المثقف والسوري الغيور على سوريته العظيمة لتحرير يديه..
صحفي ومخرج سينمائي
العدد 1110 – 6- 9-2022

آخر الأخبار
خطة وطنية لإعادتها للحياة.. الحرائق تُهدد مستقبل الغابات  وزير الطوارئ رائد الصالح.. توقف النيران وبدء مرحلة التبريد.. لن نغادر قبل إخماد آخر شعلة نار ماجد الركبي: الوضع كارثي ويستدعي تدخلاً دولياً فورياً حاكم مصرف سورية المركزي: تمويل السكن ليس رفاهية .. وهدفنا "بيت لكل شاب سوري" عمليات إطفاء مشتركة واسعة لاحتواء حرائق ريف اللاذقية أهالي ضاحية يوسف العظمة يطالبون بحلّ عاجل لانقطاع المياه المستمر الشرع يبحث مع علييف في باكو آفاق التعاون الثنائي حافلات لنقل طلاب الثانوية في ضاحية 8 آذار إلى مراكز الامتحان عودة ضخ المياه إلى غدير البستان بريف القنيطرة النقيب المنشق يحلّق بالماء لا بالنار.. محمد الحسن يعود لحماية جبال اللاذقية دمشق وباكو.. شراكات استراتيجية ترسم معالم طريق التعافي والنهوض "صندوق مساعدات سوريا" يخصص 500 ألف دولار دعماً طارئاً لإخماد حرائق ريف اللاذقية تعزيز الاستقرار الأمني بدرعا والتواصل مع المجتمع المحلي دمشق وباكو تعلنان اتفاقاً جديداً لتوريد الغاز الطبيعي إلى سوريا مبادرات إغاثية من درعا للمتضررين من حرائق غابات الساحل أردوغان يلوّح بمرحلة جديدة في العلاقة مع دمشق.. نهاية الإرهاب تفتح أبواب الاستقرار عبر مطار حلب.. طائرات ومروحيات ومعدات ثقيلة من قطر لإخماد حرائق اللاذقية عامر ديب لـ"الثورة": تعديلات قانون الاستثمار محطة مفصلية في مسار الاقتصاد   130 فرصة عمل و470 تدريباً لذوي الإعاقة في ملتقى فرص العمل بدمشق مساعدات إغاثية تصل إلى 1317 عائلة متضررة في ريف اللاذقية"