خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان:
على أسوار دمشق تحطمت جحافل الغزاة وفيها قامت الحضارات، وعلى أرض الشام يرقد الأنبياء والصحابة والأولياء، دمشق عاصمة الأمويين واستقبلت جيوش الفاتحين، هي أحد ثغور الإسلام والمسلمين، قال فيها الشاعر العربي الكبير نزار قباني:
“والخيل تبدأ من دمشق مسارها *** وتشد للفتح الكبير ركاب
والدهر يبدأ من دمشق وعندها *** تبقى اللغات وتحفظ الأنساب
ودمشق تعطي للعروبة شكلها *** وبأرضها تتشكل الأحقاب”.
فلم يخطئ نزار قيمتها وعنفوانها وعروبتها، بل أكدها في قصيدة أخرى من مفكرة عاشق دمشقي فقال: “يا شام أين هما عينا معاوية وأين من زحموا بالمنكب الشهبا فلا خيول بني حمدان راقصة زهواً، ولا المتنبي مالئ حلبا، وقبر خالد في حمص نلامسه فيرجف القبر من زواره غضبا.. يا ابن الوليد ألا سيفاً تؤجره فكل أسيافنا قد أصبحت خشبا.. دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكي لك العربا؟”
هكذا هي دمشق كانت وما زالت تنقش التاريخ على صفحات المجد وكل تاريخها ملاحم وهي على موعد أخير للفصل بين الحق والباطل، لذا لن نستغرب أن خرجت من تحت الركام والنار كطائر العنقاء لتحلق في فضاءات السلام والوئام ليعمها الاستقرار والازدهار، وتعود كما كانت دمشق هي القلعة الحصينة وقلب العروبة النابض، فصمدت سياسياً وعسكرياً رغم كل أنواع الاستهداف، فلم تهادن ولم توقع معاهدات مع العدو؛ لأنها تعلم جيداً أن “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”، ودمشق هي حاضنة المقاومة وهي الداعم الأول لها، وسورية وحدها واجهت الاجتياح الصهيوني في لبنان عام 1982، ولذلك لن نستغرب أن تكون هي محط استهداف الأعداء على الدوام، هكذا هي دمشق، وهكذا تاريخها المشرف الذي يعيد نفسه اليوم، فقد أراد لها القدر أن تتوج بتاج المجد والشرف والصمود
كان قدر سورية أن تدافع دائما عن قضايا أمتها، لذا تعرضت للمؤامرة الكبرى لكن الرهان على سورية دائما يتقدم فما تبقى من أراض سيعود حتماً سلماً أو “حرباً” كما أعلنها ويعلنها الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد دائماً في كل مقابلاته مع وسائل الإعلام المختلفة، فلم تخطئ بوصلة الدولة السورية هذا الاتجاه منذ بدء الأحداث وحتى اليوم رغم جسامة ما تعرضت له الدولة السورية، وهذه دلالة قاطعة على وجود قيادة حكيمة تدير الأزمة على قدر كبير من الاحتراف وأركان دولة تشربت حب الوطن ومراكز ثقل كانت هي الضامن الحقيقي لصمود سورية أمام تلك الهجمات الشرسة من الإرهاب المدعوم دولياً، تعززه وسائل إعلام الأعداء بالأكاذيب، واستخدم فيها كل الطرائق الخبيثة والاتهامات الملفقة للتأثير على عواطف الناس بالصور والمشاهد المؤلمة، هكذا عندما تجتمع قوى الشر، فقد نجحت تلك القوى الشيطانية في إسقاط العراق ثم ليبيا، وهكذا كان يراد لسورية وبأدوات من الداخل وفقا لمخطط خبيث سبق أن تحدث عنه بعض منظري الغرب مبشرين بهذه الحرب التي سميت حروب الجيل الرابع، وهي تقوم على ترك العدو يقتل نفسه بنفسه، لكي لا تقوى الدول على النهوض مجددا وتصبح دولاً فاشلة بلا نظام أو مؤسسات فيغيب النظام ويعم الخراب، ولكن إرادة الله أن تبقى سورية صلبة عصية على الأعداء، كما هو تاريخها الحافل.
إذاً نحن أمام قيادة حكيمة وجيش ذي عقيدة قتالية عالية تحمل تضحيات جساماً خلال تلك السنوات، وقدم أرواح أبنائه شهداء في سبيل الوطن، وهنا لا ننسى وقفة حلفاء سورية (حزب الله وإيران وروسيا) الذين تخندقوا معها في مواجهة هذا الإرهاب، والدول التي وقفت مع سورية مدركة أبعاد تلك المؤامرة، ويبقى الفضل الأول في صمود سورية للجيش العربي السوري الذي صمد أمام تلك الهجمة الدولية القادمة من كل أطراف الأرض، ومن الطبيعي أن يلعب الحلفاء دوراً في مثل هذه المواجهات الدولية، حتى القوى الدولية في الحرب العالمية ما كانت لتصمد لولا دعم الحلفاء وهكذا هي حالة الحرب دائماً، ونأتي إلى ثالث تلك الركائز السورية المتمثلة في نسيج سورية الاجتماعي المترابط، وقدرة هذا الشعب العظيم في فهم معطيات الأحداث وإدراك حقيقة ما يدبر له من مخططات؛ لذلك فشل هذا المشروع التآمري وتكسر على أعتاب دمشق، ورغم أن محاولات الأعداء ستظل باقية لإطالة أمد الأزمة لتحقيق ما أمكن من استنزاف للدولة السورية، ولكن سورية ماضية نحو النصر ترصع تاريخها المشرف.
سورية اليوم وبعد تلك السنوات الكبيسة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من تحرير كامل أراضيها وهي تفتح ذراعيها لجميع مواطنيها والعرب عدا من ارتكب جرائم بحقها وحق شعبها ولسان حالها يقول: سورية لكل السوريين والعرب.
ونحن هنا من هذا المنبر نؤكد مقولة الزعيم الخالد جمال عبد الناصر أن سورية هي قلب العروبة النابض، وذكرنا منذ الوهلة الأولى أن ما يحدث في سورية هو مخطط تآمري غربي باستخدام أدوات إقليمية وداخلية، وناشدنا العرب في أكثر من مقال لا تدفعوا سورية نحو المجهول، والحمد لله بعد هذه السنوات وتلك الأحداث سورية تقترب من إعلان النصر المؤزر، بل إن سورية ستكون أفضل مما سبق، وستعيد إعمار ما دمرته الحرب طالما أنها تمتلك تلك الإرادة الصلبة والعزائم الشديدة، بل أن أزمتها ستتحول إلى مستقبل مشرق سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بامتلاك عناصر القوة التي تردع الأعداء، وسنحتفل في دمشق الفيحاء قريباً بعون الله.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم.