في أحد صفوف المرحلة الإعدادية، دخلت مدرسة الفيزياء والكيمياء وبثقة العلماء، وشرحت الدرس ثم أعلنت: “في الحصة القادمة سبر”.
لم يجرؤ أحد على السؤال، فالصمت في حضرة العلم حكمة، وعندما حان موعد الامتحان، أجمع الطلاب على إجابة واحدة: “لم نفهم شيئاً”، نظرت إليهم باستغراب، ثم قالت: “ولماذا لم تحفظوه؟”، فالفهم، في عرفها ترف لا يليق بطلاب هذا الزمان.
وفي الجناح الآخر، كانت زميلتها تشرح وهي تبتسم بثقة لا تهتز، لا لأن الطلاب فهموا، بل لأنها صديقة المديرة، والمعلومة تمرر بالواسطة لا بالشرح.
وأما ثالثتهن، فكانت تشرح وهي تصرخ، لا لتأكيد المعلومة، بل لتغطية عجزها عن إيصالها.
ورابعة لا تُناقش، فهي الوحيدة التي تدرس المادة، ومن يعترض فليذهب إلى أقرب معهد خاص يشرح له ما يشاء.
نظامنا التعليمي، يا سادة، لا يطلب من الطالب سوى مهارة واحدة: أن يتقن فن التخمين، فالسؤال يأتي من المريخ، والإجابة من كوكب الحظ، وبين معلمة تحفظ، وأخرى تصادق، وثالثة تصرخ، ورابعة تحتكر، يبقى الطالب هو الضحية.
وحتى يأتي الإصلاح الموعود، نحتاج إلى معلمين لا يتقنون فقط شرح وإيصال المعلومة، بل يتقنون أيضاً فن التواصل الفعال، ويؤمنون أن التعليم ليس مسابقة في الحفظ، بل رحلة في الفهم.
أما الآن، فليحفظ أويتدرب أبناؤنا من أجل اجتياز الامتحانات كما لو أنهم يتعاملون مع ألغاز بلا مفاتيح، وليتمنوا أن تصيبهم صدفة الفهم، في غياب أي أثر للتأهيل التربوي أو التدريب الحقيقي على التعليم.