الثورة- سلوى إسماعيل الديب:
فرح يحمل الكثير من البراءة دفعها لالتقاط الكرة وإعادة قذفها نحو الأطفال الذين لا يشغلهم من هموم الحياة سوى هذه الكرة، لتسمع دوي انفجار وتغيب عن الوعي، وتكتشف أنها نامت 12 يوماً، ولتتحسس جسدها، وتكتشف أنه ليس جسدها أين بقية جسدها.. أين قدماها؟، لتدخل في صدمة، ويحاول الأهل بكل الوسائل انتشالها من براثن الموت المحقق حيث بلغت نسبة عجزها 100%، فأجروا لها عدة عمليات زراعة جلد، والعديد من محاولات تركيب أطراف صناعية وجميعها باءت بالفشل، بسبب الحجم الكبير للبتر.
إنها «رهف العيد» الشهيدة الحية التي أصيبت بتفجير إرهابي عام 2015 وهي لم تتجاوز السبعة عشر ربيعاً، التي تنقلت بين المشافي لمدة عامين من عمل جراحي إلى أخر، ولكنها كسنديان سورية لا يستسلم ولا يركع، نفضت رماد الحرب والألم ونهضت، لتحصل على الثانوية العامة وتدخل جامعة البعث كلية التربية قسم الإرشاد متحدية كل المعوقات، وكل الصعاب التي واجهتها بداية من عدم وجود رامبات سابقاً في الجامعة حيث كانت من أوائل الجرحى الذين تحدوا إصابتهم وشقوا طريق النجاح في الجامعة، وصولاً لتنمر البعض من رفاقها على إصابتها، ليتوج نجاحها بتخرجها من الجامعة، وحصولها على إجازة من كلية التربية، لتنسى ما قاسته في دراستها حيث كانت تضطر لتعليم الطلاب لتحصل على مصروفها من أجور سيارات حتى تستطيع الذهاب للجامعة حيث كانت تقطن في حي الزهراء، وثمن المحاضرات لتساعدها في التحصيل، حيث لم تحصل على أي منحة دراسية ولا وظيفة تعينها على تلبية احتياجاتها، وسلاحها في مواجهة الحياة إصرارها وتصميمها، وهي تتحضر الآن لتقديم الماجستير، ولن تتردد في الوصول للدكتوراه..
ليحملها الحلم وشغف الحياة مثلها كمثل أي شابة بعمرها لتنضم لفريق «أستديو جريح»، وتداعب بأناملها أوتار العود بتشجيع من العازف ثائر بلول، ليثبتوا للعالم أنهم برغم إصابتهم قادرون على فعل المستحيل، وإنهم أبناء الحياة .
حيث أشارت رهف لضعف إرادتها قبل إصابتها، وإن الحادثة أعطتها قوة وثباتاً وإرادة لإثبات أن لا شيء مستحيلاً، فكانت تطبق ما تتعلمه في الجامعة على تلاميذها في المنزل، حتى كسبت ثقة ومحبة زملائها وتلاميذها بما تملكه من قدرة على بث الروح المعنوية بينهم، وبرغم صعوبة مسيرتها إلا أنها لم تنكر فضل من وقف معها من والدها الذي كان السند والعون حتى إدارة جامعة البعث التي قدمت لها التسهيلات كلّها.