تعتبر زراعة التبغ من الزراعات القديمة في سورية وتتركز في الساحل السوري، وتعتمد هذه الزراعة على العمل اليدوي الجماعي في معظم مراحلها، وتمتدّ زراعتها والعناية بها لأشهر طويلة، وتشكل محصولاً استراتيجياً رئيسياً يعتمد عليه أهالي المنطقة كمصدر أساسي للدخل، إلا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج وتحديد الجهات المعنية لأسعار أقل من القيمة السوقية حرم مزارعي هذا المحصول من تحقيق الأرباح التي تحقق اكتفاءً ذاتياً لهم.
وقد انخفضت تقديرات إنتاج موسم التبغ لهذا العام عن العام الماضي، حيث بلغت تقديرات الإنتاج خمسة ملايين كغ من مختلف الأصناف، ويعود سبب الانخفاض عن العام الماضي بحسب مؤسسة التبغ إلى ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج والظروف الجوية الصعبة، وانخفاض المساحات المزروعة.
ولم تواكب الأسعار المعتمدة رسمياً على الرغم من رفعها بنسبة أربعين بالمئة الارتفاع الكبير في أسعار مواد التكلفة التي وصلت إلى مئتين بالمئة، و لذلك اعتبرها معظم العاملين في هذه المهنة مجحفة وغير مناسبة، وتعتبرعاملاً مساعداً لتهريب جزء من المحصول إلى السوق السوداء، بدلاً من تسليمه لمؤسسة التبغ، التي تعتبر تسعيرتها لمحصول التبغ أقل من السوق بـعشرة أضعاف.
في كل عام يتم تسجيل تراجع جديد لمحصول التبغ، وكل مرة يتم تبرير ذلك بعدة أسباب، ولكن دون البحث في أساليب الدعم الحقيقي للمزارع للاستمرار بزراعة هذا المحصول الاستراتيجي.
فالحديث عن ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج من قبل مؤسسة التبغ يعني أن جزءاً هاماً من هذه المستلزمات يتم تأمينها عبر القطاع الخاص، وبأسعارها المرتفعة، إضافة إلى بقية المستلزمات التي يتم تأمينها عبر السوق السوداء، وخاصة المازوت، ناهيك بأسعار الأسمدة وغياب الطاقة الكهربائية.
قصارى القول إن الاستمرار على هذا المنوال من تخفيض الدعم على مستلزمات الإنتاج، ومن آليات التسعير المجحفة، سيؤدي إلى استمرار تراجع الإنتاج عاماً بعد آخر، وبفارق كبير بين موسم وآخر، وصولاً إلى خروج هذه الزراعة نهائياً من قائمة المحاصيل الاستراتيجية، وبالتالي نكون قد خسرنا قطاعاً آخر من أهم قطاعاتنا الاقتصادية.