يعقد خلال الفترة القريبة القادمة المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني والذي ينظر اليه على أنه سيشكل نقلة نوعية في نهضة الصين الاقتصادية ودور الصين السلمي والإيجابي في المشهد الدولي مع تعاظم دورها الإيجابي خلال العقد المنصرف في ظل قيادة الرئيس الصيني هو جنتاو حيث شهدت الصين في ظل قيادته وأفكاره تطوراً نوعياً حيث اصبح الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم إذ بلغ الناتج المحلي 15 تريليون دولار مع نسبة نمو تزيد على 6بالمئة على الرغم من جائحة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي نهضة اقتصادية .
وتجدر الإشارة إلى أن جمهورية الصين الشعبية تتميز وتتمايز عن غيرها من دول العالم أنها ترسم وتقر سياساتها المستقبلية في كافة المجالات وخاصة الاقتصادية والتنموية عبر مؤتمرات دورية ومنتظمة للحزب الشيوعي الصيني هذه المؤتمرات التي ينتدب إليها ممثلون من كافة المقاطعات الصينية تحددهم وتنتخبهم اللجان الحزبية المنتشرة في كافة أرجاء جمهورية الصين الشعبية حيث يبلغ عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني حوالي 93 مليوناً يقومون باختيار حوالي ٢٢٠٠ عضو للمؤتمر العام للحزب يضاف إليهم ممثلون من كافة قطاعات المجتمع الصيني بما فيها القوات المسلحة هذه المؤتمرات تشكل تحولاً مفصلياً في مسيرة الصين نحو المستقبل من خلال إقرار سياسات اقتصادية وخطط تنموية وانتخاب قيادات تمثل أجيالاً تحمل ملامح المستقبل المنشود وتأخذ في الاعتبار احتياجات الشعب الأساسية وإمكانات الدولة وثرواتها وفي المقدمة الثروة البشرية والطاقات الخلاقة للشعب الصيني وقدرة الحزب الشيوعي الصيني على قيادة عملية التحول تلك بحكم تموضعه في المجتمع الصيني وامتلاكه للكوادر الفاعلة والمؤهلة علمياً وفكرياً ومهنياً القادرة على قيادة تلك العملية الشاقة والصعبة.
إن ما يميز التجربة الاشتراكية الصينية أو ما يطلق عليه ( صيننة الاشتراكية ) هو اعتمادها على ما يميز الشعب الصيني من خصائص اجتماعية وثقافية وطبقية خاصة وأن غالبيته تعيش في الأرياف وتعتمد على العمل الزراعي فجاءت التجربة الصينية مراعية لهذه الخصوصية وساعية للتوازن في عملية التنمية بين المدن والأرياف وكذلك بين الأقاليم الساحلية والداخلية والتعامل مع كل بيئة بحسب خصوصيتها واحتياجاتها ما أعطى مرونة كبيرة للحكومات المحلية في رسم سياساتها التنموية وهو ما حقق نوعاً من التكامل والتناغم والانسجام في تنفيذ السياسات الاقتصادية .
لقد استطاعت جمهورية الصين الشعبية بفضل الحوكمة السياسية والاقتصادية واتباع سياسة الإصلاح والانفتاح التي بدأتها منذ اكثر من أربعين عاما بنهج وضعه الحزب بقيادات مثلها في مراحل مختلفة كل من دينغ سياو بينغ وجيانغ زي من وليو جنتاو واستمرت حتى الأن بقيادة الرئيس شي جين بينغ أن تصبح اكبر ثاني قوة اقتصادية في العالم وتتجه لتكون القوة الأولى خلال اقل من عقد من الزمن وهو ما حدده المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني .
لقد استطاعت جمهورية الصين الشعبية تقديم تجربة ناجحة في اطار تحديث الحزب وتطويره واتباع سياسات اقتصادية رشيدة منفتحة وهو ما أطلق عليه اقتصاد السوق الاشتراكي تقوم على توسيع القاعدة الاقتصادية ودعم القطاعات الاقتصادية كافة سواء عامة أو خاصة بهدف تحقيق تنمية حقيقية تصيب كافة القطاعات الاجتماعية وتحقق حالة استقرار في المجتمع الصيني تتأسس على قاعدة الرفاه الاجتماعي والتناغم والانسجام والتنافس بين مكوناته بدل التناحر والصراع والإقصاء والاستغلال وقد حققت تلك السياسات الحكيمة نجاحات هامة بدليل أن معدلات التنمية الاقتصادية في الصين هي من اعلى المعدلات في العالم حيث يساهم القطاع الخاص الصيني بحوالي ستين بالمئة من الناتج المحلي ويستقطب حوالي سبعين بالمئة وأن سوق العمل إضافة إلى مساهمته بأكثر من خمسين بالمئة من الضرائب والرسوم التي تدخل الخزينة ما يجعل منه قطاعاً فاعلاً وأساسياً في عملية التنمية علما نه يعمل تحت إشراف الدولة وتحكمها بالسياسات الكلية النابعة من المصالح الحيوية للشعب الصيني ورغبته بالتطور والتنمية .
والى جانب ذلك ارتفع معدل دخل الفرد في الصين إلى اكثر من عشرة آلاف دولار علماً أنه كان قبل عشر سنوات لا يتجاوز خمسة آلاف دولار ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي عشرين ألف دولار خلال السنوات الثماني القادمة علماً أن عدد العمال في الصين يزيد على ٧٦٠ مليون عامل ويمكن أن يصل إلى حوالي 900 مليون عامل بحلول عام 2030 ولعل اتباع الصين لسياسات رشيدة على الصعيد الداخلي يقابله على التوازي سياسة متوازنة على الصعيد الدولي حيث تتميز السياسة الخارجية لجمهورية الصين بأنها تقوم على تعزيز التعاون والانسجام بين الدول وتحقيق السلم العالمي وعدم التدخل بالشؤون الداخلية لأية دولة وتعزيز الشرعية الدولية وحفظ السلم والأمن الدوليين وعدم السماح باستخدام المنظمات الدولية وخاصة مجلس الأمن وسيلة للضغط والهيمنة بيد القوى الكبرى ولاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما يمكن لحظه بموقف الصين من الأزمة في سورية واستخدامها لحق النقض اكثر من مرة لإبطال مشاريع قرارات تمس السيادة السورية .
والى جانب ذلك تقوم جمهورية الصين بتقديم المساعدات الاقتصادية والإنسانية للدول النامية وتقدم لها الخبرات التقنية والفنية وتساعدها في تنفيذ المشاريع التنموية من منشأة صناعية وسدود وتمدها بالخبراء وتوفر التأهيل والتدريب للكوادر اللازمة لعمليات التنمية في تلك البلدان ما يساهم في تحسين مواردها وزيادة مهارة العاملين فيها وهو ما ينعكس إيجاباً على التنمية والاستقرار فيه لعل المشروع الاستراتيجي الحزام والطريق سيشكل تحولاً هاماً على مستوى العلاقات الدولية وتشبيكها اقتصادياً وستستفيد منه أكثر من ستين دولة وإقليماً.
إن اتباع جمهورية الصين لسياسات داخلية وخارجية حكيمة يحقق لها احتراماً كبيراً على الصعيد الدولي ويجعل أكثر شعوب العالم تتطلع لزيادة فعاليتها السياسية على الصعيد الدولي لأن في ذلك إحياء لبارقة أمل لوضع دولي أكثر عدالة وتوازناً وأمناً واستقراراً.