الملحق الثقافي- فؤاد مسعد :
انتصار الإرادة والعقل في حرب تشرين التحريرية أسقط القناع الذي سعى الكيان الصهيوني إلى زرعه في النفوس لسنوات وسنوات، وتحطيم خرافة أسطوريّة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر لتكون هزيمته مدوية على يد بواسل جيشنا، هي حرب العزة والكرامة التي قلبت الموازين وغيّرت وجه التاريخ المعاصر في المنطقة كلها فأعادت كتابته من جديد، وعززت ثقة الإنسان العربي بنفسه وبمقدرته، فكان أن سطر الجيش العربي السوري بعزيمته وقوته وعقيدته أروع ملاحم البطولة والمجد والإباء والتضحية، وشكلت حرب تشرين الملهم للكثير من المبدعين في مختلف المجالات الإبداعية، فسعوا عبر نتاجهم إلى محاولة التقاط مفرداتها وما أفرزته على الأرض من واقع جديد كان لا بد من أن تحاكيه أعمال تنهل منه وتقدمه بصورته المشرقة ضمن إطار يترجم اللحظة بحميميتها وعمق صدقها وتفاعل الناس بها والتفافهم حولها، فسعى كل مبدع من موقعه لأن يحتل مكانه على خارطة النصر ليكون شريكاً فيها بشكل أو بآخر من خلال ما يقدم، فالنصر الذي تحقق كان للأمة كلها وما المبدع إلا جزء منها.
سرعان ما أنجزت أعمال درامية تلفزيونية أبرزت ما جرى في حرب تشرين وعكست الانتصارات التي حققت خلالها عبر أعمال جاءت عفوية صادقة تحمل قدراً كبيراً من شعور التلاحم بين أفراد الشعب والمقاتلين في الجيش العربي السوري، هؤلاء المقاتلون الذين سطروا ملاحم البطولة عهدهم الانتصار لوطنهم مؤكدين أنهم هم من يصنع الفعل ومن يقول كلمة الحسم في أرض الوغى، سعيهم الشهادة المكللة بالغار.
هذه الصورة النبيلة التي يقدمها المقاتل السوري سعت الدراما التلفزيونية إلى إبرازها من خلال مجموعة أعمال أتت بعد انتصارات حرب تشرين التحريرية، حملت معاني خالدة مُتجددة مجسدة البطولة والشهادة والإباء وأهمية المقاومة كما أظهرت عظمة سورية وعراقتها، وكيف يستبسل المقاتلون على الجبهة للدفاع عن الوطن فلا يأبهون للثمن حتى وإن كان حياتهم، ومن أهم ما ميّز أغلبية الأعمال تقديمها محور الحرب ضمن إطار حكاية اجتماعية وإنسانية مٌشبعة بالروح الوطنية، ففي لحظة قد تجد أن أي مواطن يتحول إلى جندي حقيقي صلب يدافع بشراسة عن وطنه.
هي محاور أساسية أكدت عليها العديد من الأعمال، منها التمثيلية الدرامية الأشهر (عواء الذئب) المأخوذة عن قصة حقيقية والتي أنتجها التلفزيون السوري عام 1974 في ذكرى حرب تشرين التحريرية، وهي من إخراج شكيب غنام، وتأليف خالد حمدي الأيوبي، وبطولة صلاح قصاص ورضوان عقيلي وسلوى سعيد وعدنان عجلوني، وقد جاءت التمثيلية مشحونة بدفق من المشاعر الوطنية التي تلامس الوجدان بدفء وحميمية، وفيها تحول (ديب بو عمر) من مُهرب ومتهم بالقتل ومطلوب للعدالة يختبئ في الجبال إلى مناضل تثور ثائرته عندما يجد الطيار الاسرائيلي الذي سقطت طائرته بصاروخ أطلقه سلاح الطيران السوري، فيأسره ويبلّغ عنه رافضاً كل الإغراءات التي قدمها له الإسرائيلي لتهريبه وغير آبه لعواقب ما يفعل حتى إن وصل إلى حبل المشنقة، فالموت خير من الخيانة.
ومن الأعمال التي بقيت في الذاكرة أيضاً تمثيلية (العريس) إنتاج عام 1975 وإخراج شكيب غنام وبطولة صلاح قصاص وأحمد عداس وسلوى سعيد، وتناولت حكاية شاب سيتزوج قريباً، وأثناء استعداده للزفاف يناديه الوطن فيلبي النداء ويستشهد فما كان من والده لحظة تلقيه النبأ إلا أن رفض إقامة التعازي وأقام له عرساً كبيراً فابنه استشهد من أجل الوطن. أما العمل الدرامي (حكاية من تشرين) فكشف عن جبن الجندي الإسرائيلي ورصد الانتصارات التي حققها جيشنا على الجبهة، وهو من إنتاج عام 1979 وإخراج هاني الروماني وتأليف عدنان حبال، وفي تمثيلية (شجرة الورد) إنتاج عام 1981 تأليف وإخراج محمد الطيب تم تناول حكاية شاب يعتني بشجرة ورد في منزله ويستشهد في الحرب، وفي (الولادة الجديدة) إنتاج عام 1984 وإخراج غسان باخوس وتأليف إلياس إبراهيم تم رصد كيف يرمي الناس أحقادهم كي يتوحدوا للمشاركة في معركة الشرف والذود عن الوطن، وفي عام 1990 تم إنجاز (سهرة من تشرين) وكانت مؤلفة من خمس سهرات تلفزيونية بإشراف المخرج شكيب غنام.
وضمن إطار الأفلام السينمائية في المؤسسة العامة للسينما فقد تم إنجاز العديد من الأفلام الروائية التي غالباً ما جاء موضوع حرب تشرين فيها ضمن خطوط العمل وإطاره العام عبر إظهار الإرهاصات الاجتماعية والإنسانية والسياسية التي سبقت الحرب أو تداعياتها وانعكاساتها اللاحقة، أو أن يتم استحضارها من خلال ذكرى وحوار، وعلى سبيل المثال فيلم (الأحمر والأبيض والأسود) إخراج بشير صافية دارت أحداثه فترة ما قبل حرب تشرين بشهر واحد ولكن دخلت أيام الحرب هذا النسيج، ومن الأمثلة الأخرى فيلم (حنين) سيناريو سامر محمد اسماعيل وإخراج يزن أنزور وعلي الماغوط وكوثر معراوي وسيمون صفية. وفيما يتعلق بالأفلام الوثائقية والتسجيلية فقد تناولت إنجازات الجيش العربي السوري خلال حرب تشرين التحريرية، حيث قدم المخرج الراحل وديع يوسف ثلاثة أفلام تسجيلية هي: فيلم (وجاء تشرين) تحدث فيه عن تضحيات رجال الجيش العربي السوري وتحرير المرصد ورفع العلم السوري عليه، فيلم (الصمود) يحكي عن صمود الجبهة الداخلية وكيف تعاطى الناس مع أخبار الحرب، فيلم (القتلة) ونتابع من خلاله مقابلة مع طيار إسرائيلي قام بقصف أهداف مدنية في دمشق خلال الحرب ليشكل برهاناً إضافياً على مدى إجرام العدو. أما المخرج فيصل الياسري فأنجز فيلمين هما (أهداف استراتيجية) (لعب أطفالنا الجديدة)، كما قدم المخرج الراحل مروان حداد فيلم (العودة)، وهناك فيلم (حصاد تشرين) إخراج منير جباوي و(الدرع الحصين) إخراج بشير صافية.
حقق كل من قسم السينما في الجيش العربي السوري ودائرة الإنتاج السينمائي في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون أفلاماً عن حرب تشرين التحريرية، ومما قدمه التلفزيون (مهمة خاصة، الأرجوحة، صفحات من قصة الجولان، القنيطرة حبيبتي، القنيطرة 74 ، تحية من القنيطرة، القنيطرة قصة مدينة). ومما قُدمه قسم السينما في الجيش (حول معارك تشرين، التحرير، النازية الجديدة، معرض تشرين الخاص، أهلا بكم في دمشق، جولان جبل الشيخ، حتى لا ننسى، تل الفرس).
العدد 1114 – 4- 10-2022