تتعرض لغتنا العربية إلى حالة من ” التنمر” غير المسبوق كتابة ولفظاً، فالحروف تغيرت باللفظ وبات اسم لغتنا على لسان البعض لغة ” الداد ” في طمس لحرف الضاد الذي تغنينا به ( لسان الضاد يجمعنا ) وتغيرت المعاني بتغيير اللفظ، فكلمة تقويض أصبحت ” تقويد ” ولمن يرغب بمعرفة الفرق بين الكلمتين عليه أن يذهب إلى قواميس اللغة العربية، وكلمة التطوير أصبحت ” تتوير ” وكم هناك من فرق بين المعنيين، والخطوات أصبحت ” ختوات ” و يُمكن سوق عدد كبير من المفردات التي تغيرت معانيها بتغيير لفظ الحروف.
للأسف اللفظ انتقل إلى الكتابة ولمن يريد معرفة ذلك عليه أن يقرأ التعليقات على مواقع التواصل وهو سيصل إلى أنه يوجد أشخاص لا يعرفون بوجود بعض الأحرف وأن ما يكتبونه هو اللفظ الحقيقي لهذه الحروف، أحدهم كتب تعليقاً قال فيه:(يا عيني عا لهدامة) ويقصد الهضامة، وأخر كتب ” ايمي الندارات خلينا نشوف العيون ” ، وأخرى كتبت ” تعي شوفي ايمي ايامتو”، المشكلة في المكتوب أكبر من المشكلة باللفظ، فهذا يعني أن هناك أشخاص لا تعرف الأحرف أو تعتقد أنها هي هكذا كما يكتبونها.
اللغة العربية تتعرض ” لتنمر” لفظي وكتابي اعتقاداً من البعض أن لفظهم لهذه المفردات بهذا الشكل يعني تميزهم في المجتمع، ولكن يبدو هذا الاعتقاد لا أساس له إلا في نفوسهم، قد يفهم أو يبرر البعض أن ما أُطلق عليه ظاهرة ” العربيزية ” والذي يعني استخدام بعض المفردات الإنكليزية أثناء الحديث يأتي تباهياً بامتلاك لغة أُخرى وهذا يعني تميزاً للشخص، وقد يُبرر ذلك أيضاً بأنه ناتج عن تعاقب الحضارات وتمازج الثقافات، ولكن ما التبرير في تغيير لفظ الأحرف وكتابتها حسب اللفظ ؟ وكيف يبرر شخص عام “يعمل في القطاع العام ” استخدامه لهذه الألفاظ وهو يتوجه بكلامه للمواطنين؟
حتى وقت قريب كان يُجمع العرب أن اللهجة السورية هي الأقرب للفصحى والتي تعارف عليها الناس باللغة البيضاء وليس ” البيداء ” حسب المتنمرين على اللغة، فأين مجمع اللغة العربية مما يجري؟، وأين مبادرات دعم اللغة التي لم تتجاوز التعاميم؟ وأين قدسية اللغة التي جاءت في سورة النبي يوسف ..إنا أنزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون .. عذراً سيدي يعرب ابن قحطان، فزمن المعلقات أقل، وقول البحتري “نحن أبناء يعربٍ أعربُ الناس لساناً وأنضرُ الناس عوداً ” لم يعد ينفع لزمن النعومة والموضة ” المودة ” والبرستيج وعلينا بالمثل الذي يقول:”إذا أردت أن تخاطب رجل أعمال فخاطبه بالإنكليزية، وإذا أردت أن تخاطب فتاة فخاطبها بالفرنسية، أما إذا أردت أن تخاطب بحراً فخاطبه بالعربية”.