الثورة- حسين صقر
نعم لم تكن حرباً عادية، بل جاءت لتعيد الكيان الصهيوني إلى حجمه الطبيعي، وما سطره الجيش العربي السوري يؤكد ما قاله القائد المؤسس حافظ الأسد في حديث لجريدة الأنوار اللبنانية: إن الأمثلة على شجاعة جنودنا وتضحياتهم لاعد لها ولا حصر، حيث كان الهدف دائماً ومنذ بداية المعركة هو تدمير أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي قالوا: إنها لاتقهر، والقوة التي اعتقدوا أنها فوق مستوى الإنسان العربي مناعة وتجهيزاً وكفاءة قتالية.
أبطال حرب تشرين التحريرية الذين شاركوا في العمليات البطولية، دونوا في ذاكرتهم وعلى دفاترهم أهم الأحداث، ولاسيما مع بداية حرب التحرير وبدء ساعة الصفر، وهؤلاء بالطبع كثر حيث تركوا بصمات واضحة لاتنسى، وقفوا وقفة رجل واحد وتقدموا بخطى ثابتة نحو هدفهم في التحرير والنصر.
وفي هذا السياق يروي العميد المتقاعد حسين محمود لـ»الثورة» أهم الأحداث التي وقعت في ذلك اليوم مستذكراً بطولات زملائه وإخوته في السلاح، وقال في حديث للثورة: كانت ساعات صباح العاشر من رمضان، الواقع في السادس من تشرين الأول لعام ثلاثة وسبعين تمر متباطئة وكأنها أيام، في وقت أسندت فيه المهام القتالية إلى جميع قادة القوى والتشكيلات، الذين قاموا بدورهم بإبلاغها إلى المستويات الأدنى، وأصبحت قواتنا الباسلة المرابطة على الجبهة كخلية نحل، تعمل بجد وثقة، وبصمت مطبق في الوقت ذاته، مراعية الحرص الدقيق والكامل على تنفيذ تدابير خطة التمويه العملياتي، ومنتظرة تلك اللحظة.
وتابع محمود كيف دارت رحى الحرب، وأصبح من المحال وقف عجلة الزمن أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وفي الساعة الحادية عشرة من ذلك اليوم وصل الفريق حافظ الأسد القائد العام للجيش والقوات المسلحة إلى مقر القيادة العملياتي، وأخذ مكانه في قاعة العمليات وبدأ يتلقى جاهزية القوات لبدء الحرب.
وفي الساعة الواحدة أبلغتْ القوى الجوية عن استعدادها التام لتنفيذ المهمة المسندة كما أبلغ قائد سلاح مدفعية الميدان عن جاهزية سلاحه لتنفيذ رمي التمهيد، كما أبلغ قادة فرق النسق الأول عن جاهزية مجموعات الاقتحام لاقتحام خط التحصينات الإسرائيلية المعادية في هضبة الجولان بالقوة، وكان التنسيق بين رمايات المدفعية والطيران يقضي بأن تسقط أول قنبلة على الهدف في اللحظة التي تجتاز فيها تشكيلاتنا الجوية خط الكشف الراداري المعادي، لذلك أُعطي الأمر للطائرات بالإقلاع لتنفيذ مهامها قبل أن تعطى الإشارة الرمزية لوحدات المدفعية بفتح النيران.
وفي الساعة الثانية إلا عشر دقائق أعطي الأمر لطائراتنا القاذفة المقاتلة بالإقلاع من مطاراتها باتجاه العدو، وفي الساعة الثانية إلا خمس دقائق أعطي الأمر للمدفعية بفتح نيران التمهيد على الأهداف المعادية في الجولان.
وأضاف: في الساعة الثانية، كان ما يقارب900 مدفع وهاون تصب نيرانها على الموضع الأول المعادي وعلى جميع الأهداف الموجودة في الجولان، والتي لم يخصص لها جهد جوي، كما كان أكثر من 80 طائرة مقاتلة وقاذفة مقاتلة تجتاز خط وقف إطلاق النار والحدود الدولية اللبنانية لتسقط قنابلها على مراكز توجيه الطائرات في ميرون وجبل الشيخ وتل أبو الندى وتل الفرس، وعلى تجميع الدبابات المعادي في منطقة العليقة كفر نفاخ وعلى كل الجسور القائمة على نهر الأردن، حيث كانت نتائج الضربة الأولى والتمهيد المدفعي مؤثرة جداً، وما ان انتقلت نيران المدفعية إلى عمق الدفاعات المعادية حتى بدأت مجموعات اقتحام فرق النسق الأول «7 ـ 9 ـ 5»، تقدمها للهجوم، ثم تتوالى الضربات الجوية والأرضية لتصيب قوات الاحتلال في حالة من الهيستيريا والدوار، لأنها لم تعد تعرف من أين تأتيها الضربات الموجعة.
وتحدث محمود عن الفكرة العملياتية للهجوم على الجولان، والتي كانت ترتكز أساساً على حشد القوى والوسائط المتفوقة على العدو، مع حساب احتمال زج الاحتياطات القريبة المتحشدة غربي نهر الأردن، لقطع الطريق على مجرد تفكير العدو بالتوجه نحو أي منطقة، وشل حركته التقدم المزعومة لديه.
وقال: توالت العمليات والبطولات والانتصارات، ونوه بتعاون الأهالي في المناطق القريبة من الجبهة، وكيف كانوا يمدون الجيش بالمؤن والطعام والماء، وكيف كانوا يساعدون بنقل الجرحى والمصابين وتقديم الإسعافات الأولية لهم، ويثبتوا للعالم أجمع أن الغطرسة الصهيونية مجرد وهم، وأن تحصيناتهم أوهن من بيت العنكبوت.

التالي