صلاح الناشف والدور الريادي في التشكيل الهندسي

 

الثورة – أديب مخزوم:

نقف طويلاً أمام لوحات الفنان الرائد صلاح الناشف (1914 ــ 1971) أحد رواد الحداثة في التشكيل السوري المعاصر، والذي استطاع، أن يقدم، ومنذ الستينيات، رؤى خاصة ومغايرة، على الأقل عبر استفادته المباشرة من معطيات الحداثة التشكيلية العالمية، وخاصة في لوحاته التي اعتمد فيها التشكيل الهندسي.


واللون في لوحات تلك المرحلة يستشف كلون صريح وموحد ضمن المساحة، ويعكس رؤيته الخاصة، وهكذا تشظى المشهد، إلى إيقاعات لونية هندسية تشبه في أحيان كثيرة أشكال المثلثات والمربعات والمستطيلات والمكعبات.
وفي هذه المجموعة من لوحاته، كان من أوائل المبشرين بالحداثة التجريدية الهندسية، حيث كان سباقاً في هذا المجال، من خلال لوحات محسوبة بدقة رياضية صارمة، تطلبت مزيداً من الجهد والجلد والصبر الطويل.
هكذا اتجه الفنان الرائد صلاح الناشف في مجموعة من لوحاته (وخاصة التي اتبع فيها التكوين الهندسي المبني أحياناً على هيكلية الهندسة الفراغية) لإعطاء مشاهده، التي بدأها بالواقعية والتعبيرية، متانة وصياغة مبتكرة وخاصة تجاوزت في تلك الفترة عطاءات فناني جيله، وموضوعاته تشير إلى العناصر ومشاهد الطبيعة والأشكال الحيوانية وغيرها. ولا نستطيع أن نحصر لوحاته خلال مراحله المختلفة، بتوجه فني محدد كأن نقول مثلاً: إنه كان تعبيرياً أو تكعيبياً أو تجريدياً..الخ .. وذلك لأنه كان يقدم نفسه ضمن دائرة من الاختبار والتجريب والحرية، تجعله غير محصور بتعبير محدد وغير مختصر بسمة مدرسية ضيقة، فاللوحة بالنسبة إليه كانت تأتي بمعالجات وتقنيات مختلفة.


ويكفي أن نقارن بين طريقة معالجته لعناصر الطبيعة والأشكال الإنسانية، حتى نواجه مدى التباعد والتقارب في آن واحد بين تجربته في رسم الشجرة مثلاً وتجربته الهندسية، رغم أنه جنح في كل مراحله نحو الاختزال، وبالتالي فأعماله تشكل خطوة تصاعدية نحو الحداثة التشكيلية وثقافة فنون العصر.‏
وتظهر في أعماله حالات التنقل بين الواقع وما يقترب من التجريد، وكان ذلك بمثابة خطوة حوارية تصالحيه بين الاتجاهات التصويرية، لما بعد الانطباعية، وبالأخص مرحلة بول سيزان، وبين التحوير الهندسي الذي يعتمد المساحات الصافية والمحددة.‏
ومن خلال هدا التنقل بين التشخيص والتجريد كان يؤكد عدم انحيازه لاتجاه دون آخر، وقدرته على تحويل نشاطه إلى فسحة للحوار والنقاش بين الأساليب والتيارات التي تصارعت على مدى عقود طويلة.
وفي أعماله الهندسية، كان يبحث عن منطلقات جديدة تعيد الاعتبار للاتجاهات الأكثر جرأة وحداثة في تلك المرحلة، إنها لوحات لإثارة الأسئلة، لأن التقطيع الهندسي الذي نجده في حالات التكوين والتلوين، يبعدنا مسافات عن الإشارات الواقعية المباشرة، ويدخلنا في جوهر الحالة الاختزالية، والتي عمل من خلالها لإبراز الصورة المتداخلة، بين المساحات التجريدية والتشخيصية معاً.
هكذا تطرح لوحاته أكثر من سؤال حول جدلية العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين معطيات الفنون التعبيرية وما بعدها، ومدى القدرة التي كان يملكها في خطوات اختصار العناصر الإنسانية والطبيعية وغيرها، والإبقاء فقط على إشاراتها الدالة عليها.‏ وما هو لافت أيضاً تلك الإيقاعات اللونية التي تهدأ مرة وتعنف مرة أخرى، فالمساحة تشف أحياناً إلى حد الصفاء اللوني وتبرز أحياناً بصياغة وحشية تنتجها الحركات اللونية الكثيفة والانفعالية. وهكذا وضعنا أمام تنوع بارز في أسلوب المعالجة للأشكال والألوان والإضاءة والانفعال الداخلي، الذي يحرك المساحة، وهذا ما نلاحظه من خلال تبديل مستوى وضوح الشكل الواقعي بين لوحة وأخرى، وبروز اللطخات اللونية، فتدرجت لوحاته من التصوير الحديث للأشكال إلى التشكيل الهندسي الأكثر حداثة، والذي كان يستخدمه أحياناً لقول ذاته بأقل ما يمكن من الإشارات.
من هنا كان الجمع في لوحاته بين التعبيرية وبين التجريد، بين تبسيطه الأشكال الواقعية، وبين ذلك التركيب المكثف للتكوينات الهندسية، وحضور الأشكال في لوحاته في تنقلاته بين أكثر من مدرسة واتجاه، ليس حضوراً مادياً بقدر ما هو حضور روحي معنوي، فنجد الشكل قد ابتعد عن هيئته الواقعية، ودخل في رمزيته الخاصة بحيث تتحول اللوحة هنا إلى فسحة تأمل زاخرة بالإشارات والرموز والتعابير الذاتية.

آخر الأخبار
هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية