الثورة – هفاف ميهوب:
ما نراه من هوسِ الناس، وإدمانهم الخطير على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن انقيادهم وراء آراءٍ وأفكارٍ تثير الفتنة والأحقاد، وتحرّض على كلّ ما هو غير إنساني أو أخلاقي.. ما نراه أيضاً من تسطيحٍ للعقول، ونشر ثقافة القطيع الذي ينقاد وراء كلّ ما هو هابط ومتردٍّ..
ما نراه من كلّ ذلك، يجعلنا نشعر بأن الفيلسوف والروائي الإيطالي أمبيرتو إيكو” كان على حقٍّ، عندما قام بتوجيه انتقاداتٍ لاذعة لهذه الوسائل، وذلك عندما وصفها:
“أدوات مثل تويتر وفيسبوك: تمنح حقّ الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط، بعد تناول كأسٍ من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضررٍ للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً.. أما الآن فلهم الحقّ بالكلام، مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل… إنه غزو البلهاء”…
دليل ذلك، ما نشهده اليوم على وسائل التواصل التي شغلت الناس، بطريقة بات فيها الوقت الذي يفترض أن نقطعه، هو من يقطعنا، إضافة إلى الانتشار الكبير للصفحات التي لا معنى لها، ولا فائدة ترتجى من مضمونها.. الصفحات التي تحطّ من أهمية أي جدلٍ أو حوارٍ عقلاني أو ثقافي، وتشجّع على التمادي بنشرٍ، كلّ تافه وساقط وغبي..
إنه الفضاء الذي اعتبرته الكاتبة الأمريكية “فرانسيس بوث” عالم فوضوي، بل وأشارت ضمن كتابها “مصيدة التشتت”، إلى أن وسائله تجذب انتباهنا بمهارةٍ، وتشتّتنا بالكامل، وإلى الدرجة التي رأت فيها:
” عدم تفكيرنا بواقعيةٍ في الفترة التي سنقضيها على التشتّت الرقمي، ما هو إلا فخٌ تقليدي يقع فيه أغلب الأشخاص.. “سأتفقد فقط…”، ثم يقضي ساعة أو يزيد..”.