العالم يترقب بحذر تداعيات الحرب في أوكرانيا، وإمكانية أن تتوسع رقعتها لتطول الساحة الأوروبية بأكملها، وهذا ما تدفع إليه الولايات المتحدة، ومعها بريطانيا، ويأتي الاعتداء الإرهابي الأخير على جسر القرم، وقبله عملية تخريب “السيل الشمالي” الممهورة بالأصابع الأميركية، ومايرافقهما من تهويل غربي عن استخدام السلاح النووي، ليزيد احتمالات نشوب حرب شاملة، تسعى الولايات المتحدة لأن تكون المستفيد الأكبر من نتائجها.
نظام كييف يمهد لتوسيع دائرة الحرب، مدفوعاً بشحنات إضافية من التحريض الأميركي والبريطاني، حيث أن استهداف جسر القرم، ومواصلة قصف الأحياء السكنية في المناطق التي انضمت إلى روسيا مؤخراً، وشن هجمات متكررة على محطة زابورجيه النووية، ليس قراراً أوكرانيا منفرداً، وإنما هو تنفيذ لتعليمات واشنطن ولندن، ومن خلفهما حلف الناتو، كذلك فإن مطالبة زيلينسكي للغرب بتوجيه ضربة نووية استباقية لروسيا، هو سيناريو أميركي معدّ سلفاً لمحاولة ترهيب موسكو، ولكن تحذيرات الرئيس فلاديمير بوتين بالرد الحاسم على ما وصفه بالابتزاز النووي الأوروبي، يجب أن يأخذه الغرب الجماعي في الحسبان، حيث إن روسيا وصلت إلى مرحلة متقدمة على مسار المواجهة، لا يمكن أن تتراجع عنها، وستفعل ما بوسعها للدفاع عن أمنها وسيادتها.
الولايات المتحدة حشرت نفسها في دائرة المواجهة مع روسيا، ولا تضع في حساباتها أمن واستقرار أتباعها الأوروبيين، هي في الأصل تدفعهم نحو الانتحار الجماعي عبر تفكيك كل الروابط السياسية والاقتصادية التي تجمعهم مع روسيا، وهي تريد النيل من كلا الجانبين، لمحاولة احتواء النفوذ الروسي وإقصاء دوره عن الساحة العالمية من جهة، ولخنق الأوروبيين وإبقائهم تحت سيطرتها من جهة ثانية، ولذلك تتعمد توسيع دائرة الحرب لطالما أنها بعيدة عنها جغرافياً، وتالياً إنقاذ هيمنتها الأحادية من السقوط والتلاشي، ولكنها ستخطئ بتقديراتها مجدداً، لأن لروسيا حلفاء كثر وفي مقدمتهم الصين، يعملون جنباً إلى جنب من أجل تكريس قواعد نظام متعدد الأقطاب، من أجل إحلال السلام العالمي.
التصعيد الغربي عبر البوابة الأوكرانية يضع العالم فوق فوهة بركان، ولا بد من العودة إلى لغة الحوار والدبلوماسية، وهذا يتطلب من الولايات المتحدة التخلي عن عقلية الحرب الباردة، وتوقف الأوروبيين عن الانجرار الأعمى وراء سياساتها الهادمة، فامتداد رقعة الحرب ليس في مصلحة أحد، ولا ريب بأن أوروبا كلها ستدفع ثمناً باهظاً، وأميركا أيضاً لن تكون بمنأى عن تداعياتها.