وجهت التعاميم الصادرة عن وزارة الداخلية بالتعامل مع مسعفي حوادث السير والإصابات المختلفة بطريقة تجنبهم الاتهام، وعد المسعف منقذاً إنسانياً لا تجوز محاسبته، وعدم توقيفه والاكتفاء بأخذ تصريح خطي منه ومفصل هويته ما لم يعترف أنه هو الذي سبب الحادث.
وتضمنت التعاميم تكريم المسعفين في المناسبات المرورية التي تقيمها الوزارة تقديراً لعملهم الإنساني النبيل الذي أسهم في إنقاذ حياة المصاب.
وتأتي هذه التعاميم بهدف تشجيع روح المبادرة الخيرة لدى المواطنين والسائقين، وتنمية حسهم الوطني والأخلاقي والإنساني لدى اندفاعهم لإسعاف المصابين في الحوادث المرورية وغير المرورية بعد أن شاعت ظاهرة عدم إسعاف المصابين خوفاً من المساءلة والتوقيف للشك بكونهم هم من قام بالحادث.
إذ حصلت حالات كثيرة لا يقدم الموجودون في مكان الحادث على مساعدة أو إسعاف المصاب بحادث مروري أو غيره بسبب الخوف من اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم والمساءلة عن الحادث، إذ يتحول العمل الإنساني الذي أقدم عليه المسعف ومن قدم المساعدة للمصاب أو من تولى نقل المصاب إلى المستشفى إلى متهم، بدلاً من شكره ومكافأته على عمله الإنساني بتقديمه المساعدة للمصاب.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عشر سنوات على صدور أول هذه التعاميم، وعلى الرغم من عدم وجود أي مادة قانونية تسمح بتوقيف الشخص الذي يقوم بإسعاف من تعرض لأي حادث سواء إطلاق نار أو حادث سير أو غير ذلك أثناء نقله المصابين إلى المشفى، وأن المطلوب فقط هو تفاصيل عن هويته، والإدلاء بأقواله للجهات المختصة، فالقانون السوري يعاقب الشخص الذي تسبب بحادث ولم يسعف المصاب، لكنه أيضاً منحه عذراً مخففاً في حال كانت هناك خطورة على حياته إثر قيامه بإسعاف المصاب، لايزال الكثير يتخوف من إمكانية توجيه أصابع الاتهام إليه إذا ما قام بإسعاف المصاب، ويكتفي بالاتصال بالإسعاف أو تصوير فيديو يحاول من خلاله إثبات أنه ليس المتسبب فيه.
كل هذا يعود إلى وجود بعض التجاوزات التي ترسخت في ذاكرة المواطنين قبل صدور هذه التعاميم، بل وبعد صدورها والتي تحدث في المشافي من قبل عناصر الشرطة الذين يستمرون أحياناً بالاحتفاظ بالمسعفين لحين التأكد من عدم علاقتهم بالحادث حين يساورهم في بعض الأحيان شكوك بعلاقتهم به بطريقة ما، ومحاولة ابتزاز المسعفين أحياناً بحجة البحث عن الحقيقة من قبل البعض.
قصارى القول، لدى وقوع الحوادث أياً كان نوعها ووجود مصابين، يكون لكل ثانية قيمتها في حياتهم، وعدم إسعافهم خوفاً من إجراءات وتحقيقات المستشفى، يدل على أن التعاميم لم تجد نفعاً في نزع الخوف من قلوب المسعفين، لذلك يجب البحث عن أمر آخر يزيل هذا الخوف ويجعلهم غير نادمين على تكاليف مروءتهم .