الملحق الثقافي- عدنان شاهين:
١- وجع البحر
مُفارِقاً أصدقاءَ أحلامي
مشيتُ على الماء
كلّما غيَّبني مُنعَطَفٌ
تأمّلتُ ما حُفِرَ على جذوعِ الأشجار
وآثارَ أقدامٍ على رمالِ الشاطئ
حَفِيَتْ من وَجَعِ البحر
ومَلْحِ رَذاذِ أمواجِه
وبعدَ مسافةٍ ليستْ طويلة
تمنَّيتُ لو أنَّني اثنان
كي يَتتبَّعَ أَنايْ
وَقْعَ خُطايْ
٢- شهوة مؤجَّلة
في مُنْتَصَفِ طريقٍ يؤمُّهُ السائحونَ
إلى هَضَبَةٍ تشرفُ على شاطئٍ
يتعرَّى صبيحةَ كلِّ يوم
تتذكَّرُ الطيورُ شهْوةً مُؤجَّلة
وَقَفْتُ لأملأَ صدري بِعَزْفِ الرياح
وعينيَّ باتّحادِ شفاهِ العُشَّاق
قبلَ أن تعودَ بيَ الذكريات
إلى أسوارٍ تَشيخُ ولا تتنحَّى
حيثُ لا أستطيعُ أن أصوغَ
حنينَ خلايايَ
إلَّا خُلْسَةً
3- عِنَاق
ما كانَ لِسَقْفِ الرَّغَبات
أن يخترقَ سماءَ تلكَ القرى البعيدة
التي تشبهُ في أناقتِها
قصائدَ لامارتين
وَجُلّ أمانيَّ أن أعيش مُتخفِّياً
في جَنَباتِها
لا هرباً من جُنْحَةٍ تلبَّستْنِي
وإنَّما رغبة في عناقِ الحياة
4- حُلُم
على جانِبَي مَمَرٍّ مُعبَّدٍ بالحكايات
تتقابلُ سنابلُ الكلام
وتبوحُ بهسيسِ القصائد
وحين تنفِرُ الموسيقا من أوتارِ القوافي
تصيرُ السنابلُ أقواساً
فتعبرُ فِراخُ حَجَلِ البراري
في بداياتِ مشاكساتِها العذريَّة
وإذا حَسِبْتَ أنَّكَ في حُلُم
فلا تستيقظْ
لأنَّ الربيعَ المجلوبَ من كهوفٍ منسيَّة
لا يضعُ قناعاً
٥- لُجَّة الموج
في مساءٍ مَطِيْر
ينأى بنا الدربُ
عن ذكرياتٍ لنا
بعدما فرَّ طاووسانِ من نورٍ وأسطورة
وفي صالةٍ تضيئُها شجرةٌ من مصابيح
وقفْتُ أراقبُ من وراءِ الزجاج
طيوراً مُجْهَدَةً
تأخَّرتْ عن السرب
تكادُ تسقطُ في لُجَّةِ الموج
وتبقى على مركبِ الريح
إذ لا قدرةَ لها على الفراق
٦ – بقايا شجن
ذلك النورسُ الذي أَلْتقيهِ كلَّ مرَّة
بعينَيْنِ فرِحَتَين
واقفاً على خشبةِ الجسرِ القديم
مُتمنِّياً لو أُمَسِّدُ ريشَهُ براحتيَّ
وحين جاورْتُهُ
طارَ ولم يبتعدْ
وراحَ يرسلُ نظراتِهِ
كأنَّهُ يسألُني عن بقايا عائلةٍ فارَقَها
عند شطِّ اللاذقيّة
فهربْتُ من شَجَنٍ إلى شَجَنٍ
وكلَّما ابتعدتُ
التفتُّ
٧- مقام اللطم
راعفاً كانَ النشيج
الذي انسكبَ في مِسْمَعي
فانزويتُ قربَ شجرةٍ شامخة
كأحلامي غيرِ المؤجَّلة
وبدأتُ غناءً كربلائيّاً
إلى حدٍّ بدا كلُّ من تخيَّلتُهم يسمعون
يلطمونَ صدورَهم
فبدَّلْتُ مقامَ الغناء
لينهضَ الجميع
وقد أخذَتْهم رِعْشَةُ السالكينَ على دروبٍ
لا تظهرُ إلَّا لأحبَّةٍ من سُلالةٍ سوريَّة
٨ – فيكامب*
حيث قلبي لا يتوقَّفُ عن الحبّ
إِطلالةٌ تصوغُ قصائِدَها
ومدينةُ الأحلامِ ساحِرةٌ
كأغنيةٍ صوفيَّة
بجسرِها الخشبيّ
تسبقُنا صباحاً إليه النوارس،
واستراحاتِ الطيورِ العابرة
ورصيفٍ مستقيمٍ
على شاطئِ البحرِ بينَ جُرفَيْن
يَغَصُّ بالعشَّاق
وقصرِ أميرِ نبيذِها المُعتَّق
بأسرارِ الصيَّادين
ونشوةِ أرواحهم
وما البحر إلَّا جنينُ المحيط
منذ أوَّلِ مطارحاتِ الكون
وقد حفرَ الناسُ درباً لهُ
إلى سُرَّةِ الأرض
ومائدةِ الأسماكِ الملوَّنة
• فيكامب: مدينة سياحية على بحر المانش في شمال غرب فرنسا
العدد 1116 – 18- 10-2022