الثورة – رنا بدري سلوم:
“يولد الشعر كسقط البراري كمأة مكونها هطل وبرق، شرطان لازمان لا يحتاجان إلى بذر، لذلك فإن النص الشعري عندما تحاول تفسيره فإنك تنزع عنه ملامح وهجه “، فمن المهم عند الدكتور عبدالله الشاهر أن يبقى الشعر شعراً، لذا فرد بإتقان شديد أوجاع الشعراء على سطوح ذواتنا، لم تنضج تلك الأوجاع تحت الشمس وحسب، بل ألهبت في النفوس الذائقة الشعرية وأعادت ترتيب وجودنا قبل أي شيء، مبرزاً كناقدٍ محترف القيم الجمالية الراقية للشعر على الصعيد الفني وجماليات التجربة الشعرية كل على حدا، والوصول من هدف قراءته في كتاب ” “ناقد وخمسة عشر شاعراً ” إلى إعادة الصياغة الذهنية الثقافية على أساس قاعدة الوطن والوطنية، وللشعراء في هذا المجال اليد الطولى في توليد مثل هذا الشعور، وقد رتّب الدكتور الشاهر مفردات القراءة النقدية على أساسات: مقدمة في الغلاف، والعنوان، وفي الموضوع البنية الفنية، ومن هنا اخترت الإضاءة على محطات خمسة شعراء أيقظوا الكلمة بانبعاثات إبداعهم، وأبدأ من الشاعر بديع صقور وهو يحلق بنا في نصه”زهرة الريح” ، وتظهر لغته بمظهر آخر حيث ينحو نحو التجريد والصورة وربما الخيال والسوريالية يقول الشاعر: مذ كانت الأزهار ومذ كان من سبقنا إلى هذا الكوكب كانت المذبحة يغتالوننا / يحاولون كنسنا كالغبار نحن ريح / الريح أكبر من المذبحة/، من زهرة الريح عقد الشاعر صفقة مع الريح ألا ينحني لها لكنها لم تعطه الأمان فظلت تهب وظل يقاوم .
و”على نبض صوته ” للشاعرة رنا العسلي نرقص معاً على أطراف الهمس/ نرسم من أصابع خجلى خطوط القلب/ هيا نلوح للقاء على وسائد الصبر أننا هنا، مجموعة رشيقة أنيقة ناصعة رسمت صورتها بحرفية موجزة ولكنها ملأت ذواتنا بفضاءات الحب والوجد والهيام إضافة إلى ابتعادها عن السردية والميل إلى الومضة الشعرية وفقاً لدراسة الناقد.
“قصائد بلا كحول” عنوانٌ محرّض ودافع للمتلقي كي يلج عالم هذه القصائد التي توحي بالسكر، فالشاعرة سمر ياغي قد نجحت في اختيار العنوان وشد انتباه المتلقي نحو الدخول إلى عمق هذه القصائد، تمتلك الشاعرة وفقاً لما ذكره الشاهر في دراسته، اللغة الجميلة والقدرة النثرية عالية المستوى من حيث البعد والصمت وإضفاء الصورة وهي التي تقول: إن خطر النبيذ /قم إلى العنب / فالثمالة جنون يؤذي القصيدة / وارتشف بقايا اللون/ إن فاتك موعد الكلمات وخانتك مواسم الحروف.
كثيرة هذه الومضات في قصيدة ” لاشيء في أوانه” التي أودعها الشاعر محمد عيسى مجموعته وفي كل ومضة فكرة واحدة الملاحظ في هذه الومضات أنها وكما رتبها الدكتور شاهر: تطرح فكرة محددة، مفرداتها قصيرة وموجزة، لغتها قصيرة ومحددة في غالبيتها لا تحتاج إلى تأويل عميق، ابتعد الشاعر فيها عن الصنعة البديعية والبيانية ونتساءل مع الشاعر “بعد أن تنتهي الحرب كيف سنقنع من ولد في ظلها أن صوت الرعد ليس قنبلة!!”.
أوصل الشاعر الدكتور نزار بريك هنيدي صوته في ديوانه “طوفان” إلى مؤسسات أكاديمية عربية، والبحث الذي أجرته الطالبة أم كلثوم شكال المقدم إلى جامعة محمد خضير في الجزائر خير دليل، بحث يتطلب الكشف عن طبيعة الرؤية التي صدرت عن الشاعر في تشكيل خطابه الشعري والبنيات اللغوية المشكلة لهذا الخطاب من حيث آلية عملها داخل النص ومدى نجاحها أو عدمه.
وقد قدم البحث مفهوم الجمالية الشعرية واللغة والصورة والموسيقا في الديوان وقد درس بنية الأفعال وتداخل الأزمنة وبنية الأسماء ودلالاتها، وأنواع الجمل والانزياح التركيبي “: يا أنت الواقف عند تخوم طفولتك انظر/ مرت أمواه في النهر، ولم تجرفك صنوف الدهر ولم تطبعك بطابعها الأيام/ فإلام تغطي الشمس بمنديل مثقوب لم تسكب دمعاتك فيه.
ضمّت دراسة الدكتور عبدالله الشاهر “ناقد وخمسة عشر شاعراً ” إصدار اتحاد الكتاب العرب نخبة من الشعراء الذين أضاؤوا بنتاجاتهم حياتنا الثقافية، منهم الشعراء أيمن أبو شعر، زهدي خليل و سليمان السلمان ومحمد سعيد العتيق ومرتضى قاسم العذبة والزميلان محمد كنايسي ومحمد الخضر، والشاعرات أمل محسن ورنا صالح الصدفة وسعاد محمد، واعداً الدكتور عبدالله الشاهر قرّاءة بجولات قادمة ومحطات لاحقة وكتبٍ أخرى مع شعراء يشاطرهم مسيرة إبداعهم في عالم الثقافة والفكر والأدب.

السابق