الثورة- حوار هفاف ميهوب:
لا شكّ أن سعي قوى الاستعمار لاقتلاع شبابنا من جذورهم، وتجريدِهم من انتمائهم، قديم قِدم سعي هذه القوى لتدمير مجتمعاتنا، وتفتيتِ روابط المحبة والألفة بيننا، مثلما تشويه وتمزيق حضارتنا.
حتماً، كلّنا نعرف ذلك، ونعرف أكثر، مقدار تكالبِ هذه القوى لتحقيق هذا المسعى، ولاسيما في السنوات الأخيرة التي تفاقمت فيها إغراءاتها، للإطاحة بأحلام هؤلاء الشباب لطالما، وسائل اتصالاتها جاذبة، ومراكب موتها جاهزة، وهم يتعلّقون بأملٍ لا يدرون بأنه السراب الذي سيلقيهم في غياهب ظلامٍ غادر، أو موت قاهر.
نسأل هنا: ما الحلّ؟
كيف نعمّق لدى هؤلاء الشباب معنى الانتماء، وما السبيل لجعلهم يتمسّكون بأرضهم وهويّتهم، بعيداً عن كلّ الإغراءات التي تضيّعهم وتشتّت عقولهم؟.
سؤالٌ، توجهنا به إلى بعض الشعراء والأدباء والباحثين والفنانين، وكانت هذه الحوارات.
الباحث والمحلل السياسي والاقتصادي غالب صالح يقول لصحيفة الثورة:
شكّلت الحرب العدوانية العظمى، على المنطقة عموماً، وسورية خصوصاً، تحديات وجودية كبيرة، نظراً لحجم المخطط، وتوحّش الحرب وطول مدتها، والحصار والعقوبات التي رافقتها واستهدفت تفكيك الدولة وتدمير اقتصادها، ومن الطبيعي أن ينتج عن الحروب الوحشية، أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية فائقة، وهذا ما حدث، فقد ألقت الحرب بتداعياتها على المجتمع وأمنه، وهدّدت تماسكه ووحدته، وفاقمت من حجم المشكلات الاجتماعية، وعلى رأسها الأوضاع المعيشية.
كلّ ذلك، كان لإخضاع الشعب الذي وقف مع جيشه ومؤسساته، يقاوم ويدافع عن وحدة التراب والشعب، في وجه المخطط الجهنمي المرسوم.
وعانينا بسبب ذلك من هجرة الكفاءات، في الوقت ذاته تمسك الأغلبية بوطنهم، ومن المعروف أن السوري مشهودٌ له، ارتباطه بوطنه وتعلّقه الشديد بهويته الوطنية، كتعلّقه بأمه.
ولكن لتعزيز الانتماء يمكن الاشتغال على عدة محاور:
مثل وضع سياسات وبرامج تحقّق الحدّ الأدنى من الدخل، للتخفيف من الهجرة والعمل على توظيف الموارد المادية والبشرية في القطاعات الإنتاجية، الأمر الذي يزيد من فرص العمل.
إضافة إلى تأهيل الشباب كأحد أعمدة البناء، فكرياً من خلال المؤسسات المعنية بالإصلاح الإداري، والشؤون الاجتماعية والفعاليات المحلية.. بعدها، الانتقال إلى عملية التدريب والتأهيل العملي، للتعويض عما فقده الوطن من شباب وخبرات في مرحلة إعادة الإعمار.
نحن نعلم أن سورية ولاّدة للكوادر والخبرات، والشاب السوري معروفٌ بطاقاته وقدراته الإبداعية، وحسّه الوطني العالي، وارتباطه بوطنه وتراب وطنه، ولا خوف على سورية ومستقبلها، فماضيها وحاضرها شاهدان على قدرات شعبها الخلاقة.
نعم.. نحتاج للوعي، ولإعادة بناء الإنسان المنتمي، مثلما لبرامج العمل المتكاملة التي نستطيع من خلالها مواجهة كلّ التحديات، فارتباط السوري بوطنه، هو وكما ذكرت، كارتباط الوليد بأمه.
الأديب والشاعر حسن إبراهيم سمعون يقول:
إن مؤامرة تفكيك الهويات الوطنية للشعوب، قضية عالمية يُشتغل بها وعليها، من يحسبون أنفسهم أسياد الكون، من منظمات سرية قابضة ومسيطرة،على رأس المال والتقانة والميديا والهيئات الدولية، فلقد طرحوا عدة نظريات، من العولمة والنيوليبرالية والعالم الجديد، إضافة إلى فوضى التقانة والسيطرة على العالم والفضاء المفخّخ بملايين المواقع، والإنترنت المفتوح ووسائل التواصل وغيرها، ولعل أهم الأهداف للحرب القذرة التي شنّت على سورية، اقتلاع الجذر الهوياتي السوري التاريخي والحضاري، بحوامله المادية واللا مادية، ورأينا كيف فعلت داعش بالآثار والأوابد من تدمير وتفجير، ونلاحظ الآن مدى الإسفاف والابتذال في صرعات الموسيقا والفنون، والهبوط الثقافي (الذي يُشتغل عليه) لطرح ثقافة الكيتش كبديل من الأصالة المستندة إلى قوة التاريخ السوري، وليس على تاريخ القوة.
سيتوقف الرصاص يوماً، فالرصاصة تقتل إرهابياً، أما الكلمة فتقتل الإرهاب، فالفكر الظلامي الرجعي لا يرد عليه إلا بفكرٍ سوري نيّر، وأنا من المراهنين على انتصار العقل السوري، الذي تعرض لأزمات كثيرة عبر التاريخ، ولم يمت ولن يموت.
نحن في المجتمعات الشرقية، وما زالت العائلة حجر الأساس الأول في المجتمع، بعدها المدرسة، ويكون إصلاح هاتين الركيزتين، بالتأكيد على ثقافة الأسرة وتطوير المناهج بشكلٍ علميٍّ مدروس.
الفنان والكاتب الدرامي أحمد السيد يقول:
القضية ليست قضية فك ارتباطٍ بين المواطن والوطن.. القضية أوسع وأخطر بكثير مما نتوقع.. إنها عملية مؤدلجة من قبل أعدائنا لتفريغ الوطن من كفاءاته العلمية والفنية والتقنية، وتوجيه هذه الكفاءات لتكون أداة بيد السلطات التي تستقبلها تحت مسمى لاجئين، من خلال الترهيب من البقاء في الوطن، والترغيب بذاك العالم الوردي الذي سيؤويه ويمنحه الأمن والأمان، والاستقرار المادي والمعنوي، هذا الاستقرار الذي علينا تأمينه نحن، قبل أن يوهم الأعداء شبابنا به.
إذاً الهوية الوطنية لا تنتزع، بل هناك من يعمل على تشويه صورتها أمام حاملها، من أجل تشجيعه على الهجرة والتخلي عن الوطن الأم، والانتماء إلى حالةٍ قد تكون تحت مسمّى، لاجئ أو مقيم أو حاصل على جنسية البلد المضيف، وبالتالي زرع الضغينة والكره لبلده الأم، من خلال النقمة الموجهة لبلده، أو الحالة الاقتصادية أو الوضع الأمني.
هنا تظهر قوة الانتماء والأصالة لدى المتلقي، إن رفض هذه النقمة واعتبر أن بلده في محنة.. ومن واجبه أن يكون سيفاً في وجه من تسبّب بها، أو أن ينساق وراء لقمة عيشه المغموسة بالذل في بلاد الاغتراب، وبالتالي انصياعه إلى المغريات المعروضة عليه.