الثورة – سهيلة إسماعيل:
ختم الفنان هادي بقدونس عزفه على آلة الكمان في أول أيام مهرجان الثقافة الموسيقية – كضيف شرف – الذي أقامته نقابة الفنانين في حمص في الفترة بين 22 حتى 26 من الشهر الحالي بالتعاون مع مديرية الثقافة على مسرح قصر الثقافة في المركز الثقافي بعبارة فريدريك نيتشه عن الموسيقا ” لولا الموسيقا لكانت الحياة غلطة” عبارة جسدها جمهور حمص المحب للحياة, حب يظهر من خلال حضوره الكثيف وكأننا في حفلة من حفلات عباقرة الطرب الأصيل والزمن الجميل. وما ميّز مشاركة بقدونس التفاعل الكبير للجمهور معه, ما دفعه إلى النزول عن خشبة المسرح ليتمشى بين الحضور وهو يعزف أغنية كوكب الشرق أم كلثوم ” ألف ليلة وليلة”.
وكانت بداية الحفل مع عرّاب الموسيقا الساحر الفنان مروان غريبة قائد فرقة نقابة الفنانين في حمص, بداية نالت إعجاب الجمهور الذوّاق والمتلهف لما يطرب روحه, فراح يردد مع غريبة كلمات أغنية “فات الميعاد ” لأم كلثوم. وليس غريباً على الفنان مروان غريبة وهو من عاصر عمالقة الطرب وعزف لهم كالفنان الراحل وديع الصافي والراحلة الشحرورة صباح والسيدة فيروز وغيرهم.
كانت مفاجأة الافتتاح تكريم المطرب والموسيقي القدير أنور سمعان تقديراً لمسيرته الفنية الغنية وعرض فيلم وثائقي عنه وعن الأعمال التي قدمها. فاعتلى خشبة المسرح ليردَّ التحية لجمهور حمص ولنقابة الفنانين على لفتتها الكريمة, وأدى رغم تقدمه بالسن أغنية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ “قولولو الحقيقة”. وكأن التكريم أعاد له نشاطه وحبه الدائم للفن الأصيل.
كما حضر الراحل وديع الصافي متجسداً بصوت عمار العبد الجبلي في أغنية “يا بحر يا دوار” وأغنية كارم محمود ” يا حلو صبّح نهارنا فل” وأغنية ” يا هلي يا هلي ” لعبد الحليم حافظ. أما مسك الختام فكان مع الفنانة القديرة اكتمال حاماتي ذات الصوت الرخيم فشدت بإتقان لافت وممتع أغنية ” خفيف الروح بيتعاجب ” وهي من كلمات بديع خيري وألحان سيد درويش, وأغنية ” إنْ كنت ناسي أفكرك” كلمات محمد علي الأحمد وألحان رياض السنباطي, وأغنية المطربة الراحلة نجاة الصغيرة” ما استغناش عنك ” كلمات عبد الوهاب محمد وألحان محمد الموجي.
ولأن الموسيقا سيدة المكان والمقام, وحديث الروح والوجدان, كما وصفها نقيب الفنانين أمين رومية في كلمته, دأب مهرجان الثقافة الموسيقية خلال مسيرته التي بدأت منذ العام 1989 على تقديم الأصوات الجميلة, معتبراً أن المهرجان أصبح علامة فارقة في المشهد الثقافي لمدينة حمص ومساحة أساسية لإطلاق المشاريع الإبداعية للفنانين التواقين إلى تكريس الهوية الأصلية للأغنية العربية وإضافتها إلى التراث الإنساني, وقد استطاع المهرجان توطين قواعد تذوق واستماع أكثر قيمة وأكثر أصالة لدى جمهور اكتنز ذائقة موسيقية رفيعة المستوى من خلال ما قدمه الموسيقيون على خشبة مسرح قصر الثقافة من أعمال نالت الإعجاب والتقدير , مستمدين من إرثنا الموسيقي الثري أنغاماً جديدة متجددة تنضح بالتميز كي تبقى الأغنية العربية أكثر بهاءً وجمالاً. والمهرجان بما يقدمه يأتي رداً على ما نراه اليوم من غناء مبتذل وماجن يتم تسويقه عبر الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي بفعل رؤرس الأموال التي يتم إنفاقها خدمة لهذا التيار الذي يقوده نفر من الاستعراضيين الفاقدين لأدنى قواعد الغناء مستهدفين الإحساس الجمالي والاستعراضيات المتواضعات أصواتاً وأداءً وأخلاقاً.
وفي اليوم الثاني من أيام المهرجان أدت فرقة موزاييك بقيادة الفنان ماريو بطرس وعلى مدى ساعتين 17 معزوفة نقلت الجمهور خلالها على طريق الحرير التاريخي مستعينة براوٍ يروي حكاية طريق الحرير وشاشتي عرض لتتناسب مع ما اختارته الفرقة من معزوفات موسيقية, فكانت تحمل هوية البلدان التي استفادت من الطريق كالصينية والإيرانية والأرمنية وأقدم موسيقا في التاريخ ” أوغاريت” وميدلي وادي النيل وغيرها, معزوفات نالت إعجاب الجمهور الذي صفّق بحرارة للفرقة وعازفيها الخمسين الذين أمضوا – بحسب- قائد الفرقة ستة أشهر بالتدريب والجهد المتواصل.
وتابع المهرجان بتقديم الممتع خلال الأيام التالية فكانت المشاركة الأولى في المهرجان لملتقى أورنينا الثقافي بإشراف المطرب حسام زكريا ,, حيث قدمت الفرقة مجموعة من الأغاني الطربية القديمة كأغاني العندليب الأسمر ” نبتدي منين الحكاية ” و أغنية ” كامل الأوصاف ” وأغنية كوكب الشرق ” دارت الأيام ” وكان ختام حفل أورنين بأغنية ” يا سورية ” كلمات الدكتور حسن شدود وأداء حسام زكريا والمجموعة. كما قدمت فرقة نوا أثر الموسيقية في اليوم الرابع من المهرجان مجموعة من الأغاني الجميلة لوردة الجزائرية وكارم حمود وسلوى قطريب بإشراف تحسين الهاشمي.
وكان مسك ختام المهرجان بتكريم الراحل عصام جنيد صاحب كلمات الألف أغنية, وتقديم أمسية موسيقية جميلة لفرقة نادي دوحة الميماس الحمصي بقيادة الفنان جهاد الشرفلي, النادي المشهود له بتقديم الأفضل والأجمل دائماً, فأطرب الجمهور بباقة من الموشحات ” أحنُّ شوقاً- يا شادي الألحان وصحتُ وجداً- ومجموعة من الأغاني ” غالي الدهب” و” عندك بحرية ” و” صوت السهارى “.
انتهى مهرجان الثقافة الموسيقية وما زالت أصداؤه لدى جمهور حمص المعروف بشغفه لمتابعة جميع الأنشطة الثقافية المُقدمة في حمص. جمهور يستحق الأفضل والأجمل دائماً لإشباع روحه التوّاقة وذائقته المتفردة.