الاحتجاجات المنددة بممارسات ميليشيا “قسد” تأخذ منحى تصاعدياً، وهذا يعكس تزايد الرفض الشعبي لوجود تلك الميليشيا في الأراضي التي تسيطر عليها في منطقة الجزيرة، ومع تنامي المقاومة الشعبية ضد قوات الاحتلال الأميركي الداعمة والحاضنة للمشروع الانفصالي الذي تحمل لواءه تلك الميليشيا، فإن تلك المنطقة مقبلة على تحولات كبرى ترسم الملامح المستقبلية لمصير المشروع الأميركي في سورية.
الولايات المتحدة مازالت تراهن على الدور الوظيفي لـ”قسد” لمواصلة زعزعة الأمن والاستقرار في تلك المنطقة لتبقى بؤرة استنزاف لمقدرات الدولة السورية، وورقة مساومة سياسية تشهرها على طاولات التفاوض مع الحكومة السورية ولهذا الغرض، هي تستعين كذلك بالنظام التركي لتأجيج الأوضاع الأمنية في المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبل أنقرة، سواء في إدلب أو ريف حلب الغربي.
ميليشيات “قسد” تعد الذراع الأقرب لواشنطن، ويشير وجودها الطارئ على مجرى الأحداث في سياق الحرب على سورية، أنها صنيعة أميركية بامتياز، لاسيما وأن بروزها ارتبط بشكل أساسي مع ظهور تنظيم “داعش”، وكلاهما يؤديان دورهما الوظيفي في سياق هذه الحرب، وسياسة التصعيد التي تنتهجها تلك الميليشيا بحق الأهالي في منطقة الجزيرة، هي رسالة أميركية تحمل في طياتها مضامين قوية تؤكد على نية إدارة بايدن مواصلة العمل على تكريس وجودها كواجهة لمشروع تقسيمي تريد من ورائه واشنطن تثبيت احتلالها لأجزاء من الأرض السورية في إطار إستراتيجيتها التوسعية في المنطقة، كذلك فإن الكثير من الدول الأوروبية التي تدعي الحرص على حقوق الشعب السوري بوحدة أراضيه وسيادتها، تتماهى بالمطلق مع الأجندة الأميركية، ومع مشروع “قسد” الانفصالي، لتكون كياناً موازياً للكيان الإسرائيلي في فلسطين المحتلة.
الشعب السوري يتابع ما ترتكبه ميليشيا “قسد” من جرائم وانتهاكات جسيمة بحق الأهالي الرازحين تحت سيطرتها بمزيد من الغضب والسخط، وتلك الجرائم امتدت لتطول قطاع التعليم حيث سبق وأن أغلقت “قسد” آلاف المدارس الحكومية في منطقة الجزيرة حتى الآن، وحولتها إلى سجون ومقرات عسكرية وقواعد غير شرعية لقوات الاحتلال الأميركي، ومن الطبيعي أن تتصاعد حدة الاحتجاجات الشعبية ضد ممارساتها القمعية، وأن تتنامى حدة المقاومة ضد المحتل الأميركي، والمرجح أن تثمر في قادم الأيام مع ازدياد الخسائر في صفوف القوات الأميركية المحتلة، وعندها ستجد “قسد” نفسها محاصرة من قبل الأهالي المنتفضين ضدها، من دون أن يعينها الأميركي، لاسيما وأنه سرعان ما يتخلى عن حلفائه وعملائه عندما تقتضي مصالحه ذلك، وما حصل أثناء انسحابه من أفغانستان، يجب أن يكون عبرة لكل المراهنين على قوته وجبروته.