ظهر التنويع التقني والأسلوبي في لوحات معظم الرواد الأوائل، الذين تعاطفوا في العديد من لوحاتهم مع معطيات اللمسة اللونية العفوية القادمة من تأملات أعمال كبار فناني المدارس الأوروبية الحديثة، ولا سيما المدرسة الانطباعية والتعبيرية والواقعية الجديدة، وبذلك ساهموا إلى حد بعيد في ظهور الاتجاهات الفنية الحديثة في حركتنا الفنية السورية المعاصرة. فتوفيق طارق (1875ـ 1940) على سبيل المثال قدم ما له علاقة بالواقعية التسجيلية، وما هو قادم من تأملات الأعمال الانطباعية، وهذا يبرز بشكل واضح في لوحته (على العين) وغيرها.
وكان ميشيل كرشة رائد الانطباعية السورية الأول، لأنه كان يرسم في الهواء الطلق حسب تعاليم كلود مونيه في كتابه (قانون التباين اللحظي)، ومن يعود إلى دليل معرضه الذي أقيم في المتحف الوطني منذ سنوات، يجد فيه لوحات انطباعية، موقعة منذ نهاية العشرينات.
ونجد بعض اللوحات الانطباعية لسعيد تحسين (1904ـ 1985) ولاسيما لوحته (منظر وأسرة) التي رسمها عام 1953. وأيضاً لوحته (بيت الفنان في مصر) المتميزة بجوها الاحتفالي الغنائي في معالجة الألوان الحية والمتراقصة.
وقدم الفنان والمؤرخ خالد معاذ ( 190 ـ 1989) العديد من اللوحات الانطباعية، إلى جانب لوحاته الواقعية وصوره التوثيقية، ولهذا لايمكن تجاهل دوره في التحريض للخروج من شرنقة الأنماط التصويرية التقليدية، وهكذا كان سباقاً في الإحساس بجماليات اللوحة المشرقة بالضوء والنور المحلي والمشحونة بالعفوية اللونية.
كما قدم صبحي شعيب (1909ـ 1974) ومنذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي، لوحات متحررة من النزعة التصويرية الواقعية والكلاسيكية، وهذا يبرز بشكل واضح في لوحته (العودة إلى القرية) القريبة في معالجتها اللونية من أجواء لوحات «فان غوغ».
كما أن معظم لوحات زهير الصبان (1913ـ 1987) تميل إلى الاتجاه الانطباعي لجهة إضفاء المزيد من العفوية والنورانية على لمسات اللون التلقائية. ونقف طويلاً أمام لوحات صلاح الناشف (1914 ــ 1971) الذي قدم ومنذ الستينات رؤى خاصة ومغايرة، على الأقل عبر استفادته المباشرة من معطيات الحداثة التشكيلية العالمية، وخاصة في لوحاته التي اعتمد فيها التشكيل الهندسي.
حتى أن رشاد مصطفى (1911 ـ 1995 ) الذي اشتهر بنزعته التصويرية، القريبة من أجواء الصورة الفوتوغرافية، تعاطف في بعض لوحاته مع مظاهر الرسم العفوي، وقدم بعض المناظر الطبيعية ضمن رؤية متفاوتة ما بين الانطباعية والواقعية.
وفي لوحته التي تحمل عنوان (الحمال) والموقعة عام 19951 كان أدهم إسماعيل سباقاً في تقديم اللوحة الحديثة القائمة على تداخل المسطحات اللونية، وضمن نزعة تشكيلية اشتهر بها، ولوحته موثقة بهذا التاريخ في الكتاب الذي أصدرته غاليري أتاسي.
هذه الحقائق تضع الناقد المتقصي أمام إشكاليات كبيرة، وذلك لأن إعادة كتابة تاريخ تطور الفن الحديث في سورية، وتسجيل ملامح بدايات ظهور نزعات التجديد والحداثة يحتاج إلى دراسات موسعة، حتى لا يبقى تاريخ حركتنا الفنية، أسير المزاجيات والمواقف المسبقة، مع الإشارة إلى أن معظم الرواد الأوائل حازوا على جوائز من جهات رسمية.