من المدهش أن الكثير من المؤسسات والشركات والفعّاليات الاقتصادية بمختلف أصنافها الصناعية والتجارية والخدمية، تحقق أرباحاً مذهلة تفوق التصورات على الرغم من الظروف العصيبة التي نمرّ بها، لتسجل انتعاشاً لكيانها وواقعها، في الوقت الذي نمضي به نحن المستهلكين من خسارة إلى خسارة، ونسجل المزيد من التردي وصعوبة الواقع وتفاقم الأزمات وصولاً إلى هذا الانحدار في الحياة المعيشية التي أشبعناها تصويراً ووصفاً وتفنيداً، ولم نستطع بعد فك هذه الشيفرة المعقّدة.
إنها حالة غريبة فعلاً إذ كان من المفترض أن تنعكس تلك الأرباح على شكل انتعاش ملموس للاقتصاد الوطني، ومن المفترض أن الاقتصاد الوطني المنتعش أن ينعكس علينا ونلتحق به انتعاشاً.. ولكن ما يحصل أن المعطيات العامة لا تشير إلى انتعاش اقتصادي بائن، فيما نحن نمضي خاسرين، وأولئك يربحون وبشكّل تصاعدي منذ سنوات ليضعونا أمام معادلة شاذة ومحيّرة.
فالمؤسسة العامة للإسمنت ربحت / 4,4 / مليار ليرة في نهاية عام 2020، لتقفز هذه الأرباح إلى / 72 / مليار ليرة نهاية عام 2021، وهي ستحقق أرباحاً أعلى هذه السنة بعد أن تضاعف سعر الاسمنت، كما أن شركة اسمنت البادية الخاصة لوحدها وصلت أرباحها إلى / 23.8 / مليار ليرة عند منتصف هذا العام.
أرباح شركات المؤسسة العامة للصناعات الغذائية / 23 / مليار و / 160 / مليون ليرة من بداية السنة وحتى نهاية آب الماضي، أي ما يعادل وسطياً / 2 / مليار و / 895 / مليون ليرة شهرياً أي عند نهاية العام قد تصل هذه الأرباح إلى نحو / 35 / مليار ليرة، وشركة تصنيع العنب في حمص لوحدها ربحت مليار و 670 مليون ليرة خلال ثلاثة أرباع السنة ما يعني أنها ستصل أرباحها بسهولة إلى ملياري ليرة في نهاية العام، وزيوت حلب وحماه أكثر من / 3 / مليارات ليرة
مجمل المؤسسات العامة الصناعية حققت المزيد من الأرباح في نهاية العام 2020، فالنسيجية حققت أكثر من / 8 / مليار، لترتفع أرباحها إلى / 39 / مليار في العام التالي، والتبغ أكثر من 6 مليار، والأقطان / 3 / مليار رغم تراجعات الموسم والأداء، والكيميائية أكثر من / 2 / مليار، والهندسية أكثر من / 25 / مليار ليرة.
المصرف التجاري السوري من المتوقع أن يربح نهاية هذا العام / 50 / مليار ليرة، والعقاري سيقترب من هذا الرقم، سيريتل ربحت أكثر من / 27 / ملياراً عند منتصف هذا العام، وبنك سورية الدولي الإسلامي نحو / 22 / مليار، فيما ربحت MTN / 16,4 / مليار وبنك بيمو سورية نحو / 29 / مليار.
والكثيرمن الجهات العامة والخاصة المطوّقة بمليارات الأرباح ومع هذا لم تنعكس أرباحها العالية بشيء من الارتياح علينا، ولاسيما تلك الجهات المنتجة للسلع، فكان يكفي مؤسسة الاسمنت مثلاً / 30 / ملياراً من الأرباح وتقوم بتخفيض أسعار الاسمنت المرهقة إلى النصف والتي ساهمت أسعارها الحالية باشتعال أسعار العقارات وصعوبة البناء والسكن لشرائح المجتمع المتعبة.
كان يكفي شركة تصنيع العنب أن تربح مليار ليرة بدلاً من رفعها الفظيع لأسعار منتجاتها التي صارت تسبب الدوار قبل الاقتراب منها.
كنا نتوقع أن الأسعار الفاحشة ناجمة عن ارتفاع التكاليف وإذ بها لرفع الأرباح وصولاً إلى مثل هذه الحالة الاقتصادية المشوّهة، لأن مثل هذه الأرباح ليست ناجمة عن أي شكّل من أشكال الكفاءة الاقتصادية، وهذا ما سيؤدي إلى المزيد من التسيب والإهمال تحت غطاء ( إننا نربح ) إنها من أبشع حالات الاستغلال والافتقار إلى اجتراح الحلول.
لولا سوء الأحوال المعيشية ما قلنا كل هذا .. ولكننا بالفعل أرهقنا، ومن غير المعقول أن ندفع ثمن ذلك عدم الوصول إلى حلول موضوعية ومعقولة.