أطفال هجروا الدراسة واستثمرهم المستغلون.. لنعيدهم ونزرع الأمل

 

مع تجدد الصباحات في وطني، استبشر خيراً، وأنا أتابع أصوات الأطفال، يسارعون إلى مدارسهم مثل طيورٍ غادرت للتو أعشاشها، فأتذكر أيام الطفولة، والمدرسة، وبقايا الطباشير التي كانت تلوّث ثيابنا، وأصابعنا، مثلما كانت تترك آثارها على يد الأستاذ، فينفضها، وهو يتوعد ذلك المشاغب في مقاعد الصف الخلقية.
هنا، قفزت لذاكرتي حكاية “دائرة الطباشير”، أمام رؤيتي لمشاهدات موجعة، أبطالها، أطفالٌ من بلدي، يعيشون على هامش الزمان والمكان، وربما خارج السياق الحضاري لمجتمعنا.
صورٌ، تستدعي الوقوف عندها، والبحث في أسبابها، وضرورة تجميلها، ولكن قبل ذلك، سأحاول أن أعيد عليكم قصة تلك الدائرة.
تقول الحكاية: إن سيدتين مثلتا أمام قاضٍ، مشهودٌ له بالعدل والحكمة، ادعت كلٌ منهما بأمومتها لطفلٍ صغير، أُحضر معهما.
ولمّا كانتا لا تملكان ما يثبت دعواهما، أمر القاضي برسم دائرة بواسطة الطباشير على أرض المحكمة، وجعل الطفل داخل الدائرة، ثم أمر السيدتين، أن تمسك كل منهما بذراع الطفل، ومن تنجح بجذبه إليها تكون والدته.
وافقت إحدى السيدتين، واندفعت تمسك يد الطفل، لكن الأخرى ترددت، فسألها القاضي: أن تفعل! فقالت بلهفة وخوف:
لا يا سيدي، أخشى إن فعلت، أصيب صغيري بالأذى!
فقال القاضي: صدقت، فهذا الطفل لك، فالأم لا تؤذي أولادها، وتخاف عليهم من أي أذى.
هذه الحكاية، بما تحمله من رسائل ودلالات، أردتها اليوم مدخلاً للحديث عن ظاهرة، باتت تشكل وجعاً في خاصرة مدننا وأهلها، تتمثل في انتشار الكثير من الأولاد في سن المدرسة، يجوبون الأزقة والحارات، بملابس لا تستر شيئاً من أجسادهم الصغيرة، يتنافسون فيما بينهم، للفوز بقطعة من البلاستيك أو الكرتون الملقى هنا وهناك، ولا يمنعهم هذا التنافس البشع من البحث في مخلفات البيوت، وحاويات القمامة!.وعندما تطرح عليهم سؤالاً، يجيبون بوقاحة بالغة، والسجائر في فمهم وبين أيديهم رغم ارتفاع أسعارها!.
المؤلم أن دافعهم لهذا العمل المرفوض، ليس كله ناجمٌ عن فقرٍ، أو جوع، بقدر ما بات مهنةً، تدر عليهم، وعلى مشغليهم المال الكثير، وهذا يفسّره انتشارٌ مكشوفٌ لمستودعات، ومخازن كبيرة، تستقبل على مدار الساعة، ما يجمعه هؤلاء الصغار، مقابل مبالغ من المال، يحصلون عليها.
وغير هؤلاء الفتية، انتشرت مكبرات الصوت، تجوب الحارات، والشوارع تنادي على من لديه مخلفات بلاستيك، وخبز يابس، وقطع النحاس، والألمنيوم، والأدوات الكهربائية المعطلة، والمنسقة، وغيرها الكثير للبيع.
هذه الحال، تنوعت معها أساليب النداء، والترغيب، على ما تحمله من إزعاج للأهالي، حتى وصل الأمر للاستعداد لشراء كل ما يمكن.
ليأخذ طريقه لتلك المستودعات والمخازن والمحلات المنتشرة كالطحالب على أطراف المدينة.
بالتأكيد، هؤلاء الصغار، وبعلم ذويهم، فارقوا المدارس، وهجروا الدراسة، وباتوا عبيداً للمال ولمشغليهم، وأزيد على ذلك، أنهم باتوا يمثلون مرضاً يستدعي العلاج السريع والشافي، ويستدعي كذلك خطوات لابد منها، تلتقي عندها إرادة الهيئات، والمؤسسات الأهلية، والحكومية ذات العلاقة، لتوقف وتعالج، وتضمّد هذا الجرح المؤلم لمجتمعنا، وللناس بشكل عام.
بل ربما يحتاج الحل لفطنة مثل ذلك القاضي وحكمته، حتى يعيد الأمور لنصابها الصحيح، فنعيد النظر بنظامنا التعليمي، والدعوة بعودة العمل، بالتشريعات التي تحاسب على تسرب الأطفال، من المدارس ومراحل التعليم الأساسي، والتشريعات التي تمنع تشغيل الأطفال في سن المدارس، كذلك البحث عن بدائل منطقية، تعيد الثقة بأولوية التعليم، وأهميته لبناء المجتمع، وصناعة المستقبل، عوضاً عن التهليل لنماذج، وصور، باتت تقدّم من هم خارج التعليم والدراسة، وتحديداً من يملكون المال، على الشهادات العلمية والمكانة الاجتماعية، حيث طغت تلك الصور، التي سادت اليوم، فوق الكثير من القيم المجتمعية الأصيلة، التي كانت ولا تزال تكوّن مجتمعنا السوري النبيل.
هذا المجتمع الذي يمثل الأم الحقيقية لأولاده، الأم التي تحتضن أطفالها، وتحميهم حتى من شرور المجتمع، والنفس، وعقبات الحياة، مهما كانت أسبابها، ومهما تنوعت هويات صانعيها، أو هويات المستفيدين من استمرار النزيف.
أمٌ تقسو، عندما يتطلب الأمر، لتردع خطراً، أو تصحح خطأً.
فأطفالنا اليوم داخل دائرة الحياة وفي معتركها، والعلاج يبدأ بإخلاء مسئوليتهم عمّا صاروا إليه، فهم ضحايا لحربٍ ظالمةٍ، شنت على بلدنا، منذ أكثر من أحد عشر عاماً، ضحايا حصار، وعقوباتٍ اقتصادية قاسية، ضحايا تحولاتٍ وارتداداتٍ كبرى، لم يعشها أهلنا من قبل.
لهذا، مع العزم، والحزم، تكون الحلول، فلنزرع الأمل، لنحصد بالعمل خير النتائج.

بشار الحجلي

آخر الأخبار
حلب تبحث عن موقعها في خارطة الصناعات الدوائية  الرئيس الشرع يصدر المرسوم 143 الخاص بالمصادقة على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب مدير المخابز لـ"الثورة": نظام إشراف جديد ينهي عقوداً من الفساد والهدر زيادة غير مسبوقة لرواتب القضاة ومعاونيهم في سوريا  الشيباني يبحث مع نظيره اليوناني في أثينا العلاقات الثنائية وقضايا مشتركة عاملة إغاثة تروي جهودها الإنسانية في سوريا ريف دمشق تستعيد مدارسها.. وتتهيأ للعودة إلى الحياة حماية التنوع الحيوي وتحسين سبل العيش للمجتمعات المحلية في البادية تحسين واقع الثروة الحيوانية في القنيطرة استئناف الصفقات الضخمة يفتح آفاقاً أوسع للمستثمرين في سوريا    اتوتستراد درعا- دمشق.. مصائد الموت تحصد الأرواح  تفريغ باخرة محملة بـ 2113 سيارة في مرفأ طرطوس وصول باخرة محملة بـ 7700 طن من القمح إلى مرفأ طرطوس تحميل باخرة جديدة بمادة الفوسفات في مرفأ طرطوس اليوم شوارع حلب بين خطة التطوير ومعاناة الأهالي اليومية المربون يطالبون بالتعويض.. خسائر كبيرة تطول مزارع الأسماك في اللاذقية الزراعة المحمية في منبج.. خطوة لتعزيز الإنتاج الزراعي وتحسين دخل الفلاحين تخفيض الراتب السنوي لمعوقي الشلل الدماغي في طرطوس محليات..بعد نشر "الثورة" تحقيقاً عنه.. مشروع ري الباب وتادف في صدارة أولويات الإدارة المحلية المدارس الخاصة في طرطوس عبء على الأهالي