الثورة – سلوى إسماعيل الديب:
“يحمل المترجم على عاتقه مهمةً شاقةً جوهرها النفاذ إلى روح الكاتب، وفهم سجاياه تمام الفهم، من دون أن يغفل أي معنىً، أو ظلٍ لمعنى ورد في النص الأجنبيّ، لأنَّ الترجمة الخلاّقة هي للمعنى والروح، لا للكلم والحروف، فالمترجم لا ينحصر همّه في نقل دلالة الألفاظ، بل يتجاوز ذلك إلى التأثير الَّذي يُفترض أنّ الكاتب يعزم على إحداثه في نفس القارئ، ولعلَّ هذا ينطبق على الترجمة الأدبية دون الفنية، وإنّ نفاذ المترجم إلى روح الكاتب، وفهمه و جبلته وسجاياه تجعل النص المُتَرجَم يحمل بعضاً من ملامح المُتَرجِم ووعيه له، أو في الأقل سيتأثر في جزء منه ببعض ملامح الناقل ورؤيته المنهجيّة للنص” بهذه الكلمات أستهل محاضرته الترجمان الباحث “حسين سنبلي” من على منبر فرع حمص لأتحاد الكتاب العرب، بأسلوبه السلس مع ذكر الشواهد والأمثلة، بحضور نخبة من أعضاء الاتحاد وعدد من رواده، وهذا بعض ما ورد فيها:
وأضاف: تمتد ظلال التأثّر والتأثير بين المترجم والكاتب إلى مهمته التالية؛ وهي الحفاظ على الأصل المترجم، فلا يتصرف فيه ويجيز لنفسه التصرف حذفاً أو إضافةً في كلّ ما يواجهه، والتصرف لا مفرّ منه في الترجمة شرط الحفاظ على المعنى الدقيق، وعلى جميع الظلال في أسلوب الكاتب ومميزات النحو والنبرات كلّها، إنّ خروج المترجم عن نسق النص الأصليّ لأي سبب كان تدفع بعضهم إلى اتهامه بالخيانة، وإن كانت خيانة خلاّقة في بعض الأحيان، إذْ يعرف الأدباء عبارة (المترجم خائن) ويتناقلونها بينهم، فالمترجم كما شبَّهه الكاتب الكبير أندريه جيد فارس، يحمل فرسه على القيام بحركاتٍ ليست من طبيعة حركاته، غير أن بعض الأدباء يتذرعون بتلك العبارة لاتهام المترجم بالقصور، لكنّ الدكتور الراحل شاكر مطلق يرى أنّها عبارة جوفاء، والمنطقيّ والبديهيّ والعدل أن نقول بدلاً منها: “كل مترجم مؤتمن أمين حتَّى يثبت العكس”..
والأمانة تقتضي من المترجم أن ينقل آراء الكاتب كاملةً من دون زيادةٍ، أو نقصانٍ، أو تحريفٍ، بغض النظر عن اتباعهما مدرسةً تختلف عن مدرسة الآخر، لنضرب مثلاً آخر، أن مترجماً يُكْبر الأدب العربيّ ويعظمه، وينقل كتاباً يشيد فيه كاتبه بالثقافة اليونانية؛ فإن الأمانة تحتم على المترجم ألَّا يتأثر بعاطفته نحو الثقافة العربية ليقلل من شأن الثقافة اليونانية، أو ليتناول آراء الكاتب بالتحريف، والحذف، والإضافة لصالح الثقافة العربية على حساب اليونانية، فليس في ذلك من الأمانة من شيء.
ومنهم من يتصرف في الترجمة إذا كان في النص لبس أو غموض قد تُبعد القارئ عن فهم النص؛ وفي الجملة، يرى بعضهم أن الحذف عيبٌ على المترجم الَّذي يحترم نفسه، ولا يدلُّ إلَّا على ضعفٍ فيه أو نقصٍ في سجاياه وخصاله تمنعه من أداء ذاك المعنى بأمانة، وبعضهم الآخر يرى أن للمترجم واجبٌ مهمٌّ – وأنا منهم – وهو مراعاة الآداب العامة، وما يقتضيه العرف والتقاليد في بيئتنا.
