الثورة – يمن سليمان عباس:
بعد أن استطاع الإنسان أن يفسر علمياً الكثير من الظواهر بدأ يبحث عن تفسيرها اجتماعياً ونفسياً وبدأ يعمل على تحليل الإنسان وحضارته نفسياً وقد ازدهر هذا العلم مع فرويد ثم تطور كثيراً مع علماء آخرين ووصل إلى مراحل متقدمة هنا نشير إلى كتاب الإنسان والحضارة والتحليل النفسي تأليف مجموعة علماء غربيين ترجمه إلى العربية أنطون شاهين وقد صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب.
التحليل النفسي والإبداع
نقف عند فصل مهم يتناول تحليل الإبداع نفسياً كتبه كارليون يقول: إن اللاوعي الذي يمثل الأرض الأم المبدعة للوعي يتألف من محتويات تعود إلى جانب شخصي إلى التكوين الوجودي ويمكن أن نطلق عليه اسم اللاشعور الشخصي وأخرى تعود إلى عنصر جمعي إلى التكوين السلالي والنوعي ويمكن أن نطلق عليه اللاشعور الجمعي.
وهذا الأخير هو الذي يحدد نمط أفعال النفس أي النماذج الأولى السحيقة التي تشاهد كرموز في الأحلام وأحلام اليقظة وعالم الرؤى والخيال وقد لاقت في الأساطير والتصورات الدينية والخرافات والقصص الشعبية والأعمال الفنية في الحضارات والأزمنة جميعها تعبيراً لها.
بعض النماذج الأولى المنبثقة من قرائح الشعراء النابغة من مخيلة بعض فلاسفة الخيال تقتضي وجود لا وعي جمعي فهي والحالة هذه مثال سحيق لشيء ما لرمز ما يعبر عن تراث تشترك فيه الأمة البكر وبالأحرى الإنسانية البكر وعلم الأدب الحديث يبحث حسب رأي يونغ في هذه النماذج الأولى بوصفها حصيلة لخبرات ظاهرية وباطنية عانتها الإنسانية عبر الزمن ونصادفها في الأساطير وغيرها وتؤثر فيهم بشكل لا شعوري إلى حد ما.
فالإنسان المبدع مصهور في تأليف ثنائي الجانب الإنساني الشخصي والأجانب اللاشخصي الإنساني.
والسؤال الآن :هل الإنسان المبدع هو إنسان مريض نفسياً؟؟؟
وفي الإجابة يقول علم النفس:على الرغم من أن تسعين بالمئة من العباقرة كانوا يعانون من اضطراب عقلي أو نفسي إلا أن ارتباط العبقرية بأمراض عصابية لا يعني بالضرورة أن المرض سبب والعبقرية نتيجة بل قد تعني وبالقوة نفسها أن العبقرية في احتكاكها مع بيئة اجتماعية قاسية جامدة هي السبب وقديماً قيل: العبقرية ترتمي عند عتبات الفقراء. وإنما من الألم ينبع الأمل فالفن المبدع يتعارض وجوده مع الوجود الاجتماعي فيحاول تثويره بالكلمة بالريشة وبقدر ما يغوص في قرارة نفسه بقدر ما يلامس آمال ذلك المجتمع في خضم لاشعوره الجمعي.