الثورة – عبد الحليم سعود:
لا يختلف متابعان لتاريخ المنطقة في أن الحركة التصحيحية المجيدة التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد قبل اثنين وخمسين عاماً كانت نقلة نوعية لسورية في كل المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والتربوية والاجتماعية والثقافية والخدمية.. إلخ، وإذا استثنينا الحراك السياسي النشط الذي ساهم بنقل سورية إلى دائرة الدول المؤثرة في المشهدين الإقليمي والدولي نتيجة المواقف الحكيمة والشجاعة والثابتة لقائد التصحيح ونسجه علاقات متميزة مع الكثير من دول العالم التي تناصر القضية الفلسطينية والحقوق العربية، يكفي أن نقوم بجردة حساب موجزة وسريعة لما شهدته سورية إبان التصحيح المجيد لنكتشف حجم الإنجازات الكبيرة والمهمة التي تحققت خلال الثلاثين عاما من حياة القائد المؤسس.
ففي مجالات التربية والتعليم والصحة، شهدت سورية قفزات نوعية على طريق تطويرها كماً وكيفاً وإتاحتها بشكل مجاني لجميع شرائح المجتمع وخاصة الطبقات الكادحة، كما عززت الحركة التصحيحية من قوة الاقتصاد السوري، وزادت الإنتاج الزراعي والصناعي بشكل يدعم استقلالية القرار السياسي، لتتعزز قدرة الدولة على الصمود في وجه التحديات والضغوط الخارجية التي استهدفتها بسبب مواقفها المستقلة تجاه مختلف القضايا.
كما أولت الحركة التصحيحية الثقافة والأدب والإبداع أهمية قصوى تتناسب مع مكانة سورية، وأطلق القائد المؤسس مقولة الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية، وأصبح الاهتمام بالفنون والآداب بأنواعها عنوانا للحركة الثقافية في سورية، إذ أسست المراكز الثقافية في كل بلدة ومنطقة، وظهر الاهتمام بالشعراء والكتاب والفنانين والمبدعين والمثقفين على تنوعهم، وأنشئت النقابات التي ترعى مصالحهم، وتطالب بحقوقهم وتمت رعايتهم وتكريمهم من قبل الدولة إيماناً بدور الثقافة في تقدم الأمم وتطورها.
كما رسخت الحركة التصحيحية أسس نهضة شاملة في البلاد قامت على التطوير والتحديث الداخلي في جميع المجالات بهدف تحقيق التنمية الشاملة، كما أرست الحركة قواعد التعددية الاقتصادية لإفساح المجال أمام القطاعات كافة لتؤدي دورها في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة.
وتتويجاً لكل هذا العمل الدؤوب في المجال الاقتصادي حققت سورية في عهد السيد الرئيس بشار الأسد قائد مسيرة التحديث والتطوير إنجازات مهمة تمثلت بتحقيق الأمن الغذائي والتوصل إلى الاكتفاء الذاتي في إنتاج الحبوب وتصدير الفائض منها، إضافة إلى التوسع في استصلاح الأراضي الزراعية وفي تنوع المحاصيل المزروعة والمنتجة ودوران عجلة التصنيع الزراعي، وزادت الصادرات ما انعكس رخاء مادياً واقتصادياً على العاملين في الدولة وبقية القطاعات.
ولعل أهم ما أنجزته الحركة التصحيحية على الصعيد الاستراتيجي هو إيلاء مؤسسة الجيش العربي السوري كل الاهتمام والرعاية إذ أسست جيشاً وطنياً عقائدياً لحماية حدود الوطن والذود عنه، وكذلك حماية الأمن والاستقرار في الداخل من عبث العابثين والإرهابيين، وقد خاض جيشنا البطل معارك شرسة لتحرير الأرض واستعادة الحقوق المغتصبة، فكانت حرب تشرين المجيدة عام ١٩٧٣، وشارك جيشنا البطل نتيجة انتمائه العروبي الأصيل في إنقاذ لبنان الشقيق من الحرب الأهلية وفي صد الغزو الإسرائيلي البغيض عام 1982، وقام برعاية المقاومة اللبنانية التي حررت جنوب لبنان من الاحتلال الصهيوني، وقد برهنت السنوات الأخيرة على الصمود الأسطوري لهذا الجيش بمواجهة أعتى المعارك والحروب، إذ استطاع دحر الإرهاب ومقاومة كل أشكال الضغوط التي تعرض لها للنيل من عقيدته الوطنية ومناقبه الأخلاقية.
ولم تتوقف منجزات الحركة التصحيحية برحيل مفجرها القائد المؤسس عام 2000 بل استمرت بوتيرة متسارعة مع انتخاب السيد الرئيس بشار الأسد رئيساً للجمهورية وطرحه مشروعه للتحديث والتطوير في مختلف مجالات الحياة، وتعزيزاً لمنجزات الحركة التصحيحية أطلق سيادته حزمة من الإصلاحات الشاملة لتحسين الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في البلاد من أجل تأمين حياة أفضل لجميع مكونات الشعب، مستلهماً بذلك قيم الحركة التصحيحية في إيجاد حلول واقعية ذاتية للمشكلات الطارئة وتعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة المؤامرات والتحديات الخارجية.
ولو حاولنا اليوم اكتشاف اللغز الذي جعل سورية صامدة في مواجهة هذه الحرب الكونية وتحقيقها الانتصار تلو الانتصار لوجدنا أنه كامن في البناء الراسخ والشامخ الذي أرسته الحركة التصحيحية، إذ لولا قوة ومتانة وأصالة هذا البناء لما تمكنت سورية من تجاوز محنتها ومقاومة الحصار المفروض عليها، ولما تمكنت من فرض إرادتها وإرادة شعبها برغم كل الظروف التي تعانيها، وهذا ما يزيد من تمسك أبناء سورية بهذا النهج الذي أثبت جدواه وفاعليته.

التالي