” هل نستغني عن المترجِم؟ “

لطالما اعتبر اكتساب لغة جديدة غير اللغة الأم بمثابة اكتساب شخصية جديدة للفرد، وها نحن وقد غدونا في زمن العولمة التي أذابت جبال جليد كانت تقف عائقاً ما بين البشر في تواصلهم مع بعضهم بعضاً، أصبحنا جميعاً وكأننا نعيش في مكان واحد لا حدود له، ولا فواصل جغرافية تباعد بيننا.

واللغة هي العنصر الأول الذي يعيق الفهم، ويبتر أي تواصل إنساني ما لم يكن أحد الطرفين يعرف لغة الآخر فلا يبدو أمامه وكأنه أبكم اللسان.. وها هم أيضاً الأطفال في أغلب المدارس أصبحوا يدرسون أكثر من لغة واحدة بآنٍ معاً إلى جانب لغتهم الأم حتى إذا ما وصلوا إلى المرحلة الجامعية دخلوا إليها وهم مطمئنون إلى أنهم يتقنون ما تلقونه في المرحلة الابتدائية، وصولاً إلى نهاية الثانوية.

ولكن.. كم من الناس مَنْ تسعفه الأيام، أو الأحوال الاقتصادية، والاجتماعية لأن يتعلم لغة أخرى غير التي ينطق بها، حتى ولو كان بجهوده الشخصية بعيداً عن المدارس، والجامعات؟.. قد تكون النسبة قليلة، أو كثيرة لا يهم، وهذا يعود لإحصاءات تقوم بها الجهات المتخصصة بذلك، إلا أن تعلم اللغات لا يقف عند حروف منطوقة، وكلمات مرصوفة، بل إنها روح اللغة، أو روح أهلها وهم يسكبونها في عباراتهم، وتعبيراتهم، كما إنه مخزونهم التراثي، والثقافي على مدى أجيال.. وهو ما على المرء ان يفهمه حتى يتقن لغةً ما، لذلك يوصي خبراء اللغة بالعيش لفترة مهما قصرت بين أهل اللغة، وفي مجتمعاتها لكي يتمكن من معرفة أسرارها، ومعرفة المعاني الخفية التي تختبئ بين حروف كلماتها، ورمزيتها، وبما يمكِّن من فهم روح المفردة ذاتها ليتم توظيفها في مكانها الصحيح.. وهذا ما يقوم به غالباً المرء الذي درس، وتعلم، واختار أن يكون مُترجماً.

وفن اللغة يكاد يشبه فن الطهو، فكما هو مزج مكونات الطعام بمقادير، وأوزان محددة، حتى يخرج شهياً، ومستساغاً كذلك هي العبارات في مزج مفرداتها حتى توصل معناها المقصود منها تماماً.

وفي هذا السياق لا نستطيع أن ننسى لغتنا العربية برحابتها، ومرونتها، وما يقوم به التعريب في بلادنا العربية، ورغم ما يُبذل من جهودٍ في مجاله للترجمة، إلا أنه لم يستطع أن يصل إلى كل الكلمات التي أصبحت تُشتق من المفردات الغربية، أو أنه لم يكن مقنعاً بالحد الكافي لاستبدال تلك الاشتقاقات بالأخرى المعرَّبة لاسيما في مجال الحواسيب، والرقمنة، خاصة عندما يبدو وقعها المعرَّب في الأذن غريباً، أو غير مستساغٍ رغم أنه يؤدي المعنى المطلوب منها.. والمشكلة تتفاقم مع الزمن، ومع تقدم علوم العصر.

وبعد أن ألفنا كثيراً من المفردات الأجنبية التي أدخلتها الرقمية إلى عالمنا أصبحنا نستخدمها وكأنها من نسيج لغتنا العربية، والدليل على ذلك هو اشتقاق الفعل منها دون تعريبها، أو ترجمتها.. وها هي الرقمية ذاتها التي أوقعتنا في فخها تمد يدها إلى الجميع بالمساعدة باستخدام تقنيات ذكاء صناعي قادر على ترجمة فورية بين عدد من اللغات، في استغناء عن المترجِم الإنسان، ولو كانت هذه الترجمة تفتقر إلى المعايير الصحيحة في نقل المعنى، إلا أنها تعمل على تعزيز التفاهم بين الأفراد، والجماعات كلٌ بلغته التي ينطق بها.

هي خطوة إيجابية لا شك تقرّب المسافات، وتوصل الأفكار، وتخلق أجواء للحوار.. ولكنني أتساءل هل نحن حقاً نتواصل عبر هذه التقنيات؟.. وإذا كان الحوار النفسي والداخلي بين هؤلاء المتحاورين من خلال الذكاء الصناعي، غير قائم على أسس حضارية في فهم الآخر فكرياً، واجتماعياً، وقيمياً، فبماذا سيفيد مثل هذا الترجمان الرقمي أكثر من إيصال سؤال وقد لا يكون مفهوماً تماماً، والحصول بالمقابل على جوابٍ قد يكون غامضاً مادام المعنى المنطوق له مرادفات أخرى لا يعرفها إلا ابن اللسان الأم؟ وهل يمكن لهذا الذكاء أن يلغي دور المترجِم فلا تعود الاجتماعات، والندوات بحاجة إليه؟ بالطبع لا.

وسواء أكان التفاهم عبر لسان رقمي، أو آخر يصدر عن فكر بشري فقد أصبحت لغة واحدة لا تكفي لتواصل حقيقي بين الأمم، والشعوب، كما بين الجماعات، والأفراد.. وصفحات الحوار تفتح لها آلاف الصفحات في كل لحظة عبر مواقع التواصل التي لا تحدها فضاءات.

آخر الأخبار
التحول نحو الاقتصاد الحر.. خطوات حاسمة لدعم المصرف المركزي السوري فزعة الأشقاء.. الأردن يهبّ لمساندة سوريا في إخماد حرائق الساحل أول شحنة منتجات من المدينة الصناعية بحسياء إلى الولايات المتحدة الأميركية رئيس الجمهورية يتابع ميدانياً جهود الاستجابة لحرائق ريف اللاذقية  تشكيل مجموعة العمل المشتركة حول التقنيات المالية بين مصرف سوريا المركزي ووزارة الاتصالات 138 خريجاً من مدرسة التمريض والقبالة في حلب يؤدّون القسم تحفيز إبداع فناني حمص مبادرة وطنية لحفظ وتثمين التراث السوري الهيئة الوطنية للمفقودين تطلق المرحلة الأولى من عملها هوية دمشق القديمة.. حجر اللبون بين سوء تنفيذ.. وترميم غير مدروس بحث تطوير مطار حلب وخطوات جديدة نحو الإقلاع الاقتصادي حركة نشطة عبر معبر السلامة.. أكثر من 60 ألف مسافر في حزيران وعودة متزايدة للسوريين بين المصالح والضغوط.. هل تحافظ الصين على حيادها في الحرب الروسية-الأوكرانية؟. صحة حمص تطور خبرات أطباء الفم والأسنان المقيمين تخفيض أجور نقل الركاب على باصات النقل الحكومي بالقنيطرة أطباء "سامز" يقدمون خدماتهم في مستشفى درعا الوطني استجابة لشكاوى المواطنين.. تعرفة جديدة لنقل الركاب في درعا كيف تخلق حضورك الحقيقي وفعلك الأعمق..؟ حرائق الغابات تلتهم آلاف الهكتارات.. وفرق الإطفاء تخوض معركة شرسة للسيطرة على النيران سوريا وقطر تبحثان توسيع مجالات التعاون المشترك