الثورة-هفاف ميهوب:
من يقرأ سيرة الأديب النمساوي “ستيفان زفايج”، يشعر بأنه يقرأ “لاعب الشطرنج”.. الرواية التي يُظهر فيها معاناته مع الإنسانية القاسية والمتحاربة، مثلما يأسه بسبب انهيار السلام العالمي..
إنها آخر ما كتبه قبل أن ينتحر، وكان قد كتب عنها قبل انتحاره بخمسة أسابيع: “هناك شيء مهمّ أقوله عن نفسي، لقد كتبتُ قصة قصيرة حسب أنموذجي المفضّل البائس”..
هي مقدمة، أردت منها الإشارة إلى أدباءٍ كانوا أبطال رواياتهم، أو حتى منحوها الكثير من صفاتهم وتفاصيل حياتهم، وهو ما نراه أيضاً لدى الأديب الفرنسي “فيكتور هوغو” الذي لا بدّ أن يشعر من يقرأ سيرته، بالشبه بين شخصيته وشخصية بطله “جان فالجان”. الرجل الذي لم يمنعه بؤسه ومعاناته، من التمسّك بالخير والحبّ والأخلاق والإنسانية، وهي صفاتٌ حملها الكاتب المتمرّد على معاناته ولا سيما خلال نفيه.. المعاناة التي جعلته يبدع في الكتابة عن الفقراء والمظلومين المضّطهدين. “البؤساء” ممن قال بعد انتهائه من روايتهم:
“لقد أنهيت البؤساء وتنفّست الصعداء.. دانتي وصف جحيم الآخرة، وأنا أصف جحيم الأرض”..
إنه أيضاً حال “غوستاف فلوببر”.. الروائي الفرنسي الذي لم يبدع في تصوير لحظة قيام بطلته “مدام بوفاري” بتسميم نفسها، إلا لأنه عاش معاناتها وتشاؤمها ووحدتها، بل وكانت إحدى النساء اللواتي عرفهنّ لطالما، منعه مرض الصرع من الارتباط، دون أن يمنعه من حبّ النساء، ومن جعلِ إحداهن بطلته النشطة والمتعالية والعاشقة.. الشخصية التي جعلته يعلن بصراحة، ولدى سؤاله عمن تكون “إيما بوفاري”: “هي أنا..
صرّح بذلك، وكتب لصديقٍ ناقد: “عندما كنت أصف تسميم بوفاري لنفسها، كنت أحسّ بطعم السمّ في فمي.. إن شخصياتي هذه تطاردني، أو ربًما كنت أنا الموجود داخل هذه الشخصيات”…
أديبٌ آخر، كتب ذاته وآلامه “آلام فرتر”.. آلام الكاتب والشاعر الألماني “غوته” الذي عاش الكثير من الحبّ والوجع، وبسبب معاناته مع حبّ، انتهى ببطل روايته إلى الانتحار ذاته، الذي تعافى هو من التفكير فيه، وفي اللحظة التي اختمرت فيها بذهنه فكرة روايته..
باختصار.. غالبية الأدباء كانوا أبطال أعمالٍ ، لاحقتهم شخصياتها أو ربما تواجدوا فيها، وسواء بشكلٍ خفي أو علني، وهو ما اعترف به كُثر صرّحوا، كما تصريح الأديب الأرجنتيني “خورخي لويس بورخيس”:
“أحسستُ في قصصي إحساساً عميقاً.. كانت القصص عني أنا، عن تجاربٍ مررت بها أنا”…