الثورة – نوار حيدر:
نحتفي اليوم في يوم الثقافة، بالزاد الذي يعتمر العقول، فالثقافة وعي مجتمعي تتجلى من خلاله هوية الأفراد، ويعكس مدى تطور المجتمع و رقيه، والحراك الثقافي والإبداعي سبيل لنفض غبار الترهل وما خلفته سنون الحرب.
في ظل الظروف التي إلنا إليها، كيف بات الواقع الثقافي اليوم؟
وماهي نوعية الثقافة التي نحتاجها…؟ وكيف يمكن العمل على جذب الناس إلى الفعاليات الثقافية والأدبية، ونحن نعيش هذا الطغيان التكنولوجي؟….
لسبر مكنونات هذا كله كان لابد لنا من وقفة مع من لهم باع في إثراء الفكر الثقافي وأصحاب التجربة الأدبية.
– الثقافة زاد يومي..
رأى عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب رياض طبرة أنه في عيد الثقافة يمكن لنا أن نتمنى ونرجو أن تتحول الثقافة إلى زاد يومي، “فليس بالخبز وحده يحيا الإنسان” كما قال السيد المسيح قبل ألفي عام.
ذلك لأنها حاجة من حاجات أساسية للإنسان، وضرورة من أجل أن تستقيم الحياة، وتغدو ذات معنى وجدوى، وإلا كانت صورة أخرى عن حياة الكائنات التي نتقاسم وإياها العيش على هذه الأرض.
الواقع الثقافي اليوم ليس بأحسن حال ويمكن الجزم بأنه ليس سيئاً، مع كل ذلك هو واقع له معاناته اليوم التي تزداد صعوبة وعسراً إن صح القول، فالموارد المالية للفرد وللمجتمع والتي كانت تسهم في تحسين الواقع الثقافي باتت شحيحة إن لم نقل معدومة، صحيح إن هامش الحرية يزداد باضطراد نظراً لتدارك الدولة الحديثة إلى الثقافة، لكن ذلك على أهميته يحتاج إلى صناعة واقع ثقافي متحرك غير ساكن وغير تقليدي، واقع يرى الناس أنفسهم من خلاله، واقع يرسم لهم غدهم وحلم أجيالهم، وتطلعهم المشروع للحاق بالركب الحضاري، والمساهمة في تكوينه، وتطوره وازدياد لبناته الوضاءة.
الثقافة في تعريف من تعريفاتها أو في وجه من وجوهها هي كمّ معرفي متراكم، ينمو ويكبر في مراحل العمر المختلفة، ويزداد أهمية وفاعلية كلما سقيت وتمت رعايتها، كالنبات الذي نزرعه لنتعطر بأريجه ونتداوى ربما بفوائده، لذلك لا شرط لنا أو تفضيل في الثقافة إلا أن تكون ثقافة.
بمعنى دقيق اكتساب متراكم للمعارف تؤهل صاحبها لإدراك الواقع ومعرفة سبل تغييره.
نحتاج اليوم إلى ثقافة المصالحة مع الذات ومع الآخر في ظل حقائق جديدة، ووقائع فرضت نفسها لانستطيع تجاهلها أو نفيها أو الجمود تجاهها.
نحتاج لثقافة المقاومة لأننا نواجه جبهة أعداء تحتل أرضنا شمالاً وجنوباً احتلالاً استيطانياً، كما هو الحال في الجولان منذ عام ١٩٦٧وحتى الآن، ولم تتمكن كل قرارات وتوصيات الأمم المتحدة أن تغير من هذا الواقع شيئاً، بل تكاد هذه الأمم المتحدة أن تكون هي المساهم البليد في الاحتلال.
وكذلك ما نعانيه من احتلال تركي وأمريكي، يرافقه نهب لثرواتنا، وتعطيل لحياتنا إن لم نقل مسبباً لمعاناتنا.
لذلك نحتاج ثقافة المقاومة للرد على تحدي الاحتلال، ونحن أبناء الحياة وطلابها، لنا وللبشرية جمعاء.
في تقديري لن يظل الجمهور منشغلاً بتأمين أبسط مقومات الحياة، معطلاً عن الفعل التنموي المطلوب والضروري للنهوض بوطن خربته ودمرته حرب ظلوم غشوم، بل سينهض جمهورنا على الرغم من قتامة الصورة، لأنه جمهور حضاري وابن حضارة هي الأعرق بين الحضارات، وها هم السوريون يؤكدون للعالم أجمع قدرتهم على البناء والتفوق في مناحي الحياة حال توفرت لهم الإمكانيات أو سنحت لهم الفرصة، والمسألة عندي مسألة وقت، ونحتاج من دون شك إلى إرادة تحض الجمهور على تقديم واجبه تجاه نفسه أولاً، فالثقافة ربح وفير لصاحبه لحامل هذه الثقافة ثم للمجتمع والدولة، ويمكن لنا أن نساهم كمؤسسات وطنية في تنمية الوعي، وتقديم مسالك الطريق إلى النور، لا أن نظل نلعن الظلام ونسهم في تعميم اليأس والقنوط، وعدم الجدوى في كل شيء.
الشعوب تقاس بثقافتها..
فيما لا يجد الشاعر والأديب بديع صقور الواقع الثقافي في الحالة الحسنة، فقد تراجع دوره في ظل المتغيرات العالمية، لأن الاهتمام بالثقافة والعمل الثقافي أصبح في واقع لا يحسد عليه بعد أن طغت عليه هموم الحياة ومشاكلها، إضافة إلى الشابكة التي حظيت بالكثير من اهتمام الناس، فتراجعت القراءة وأصبح الاهتمام بالشأن الثقافي ضعيفاً بسبب الانشغال بشبكات التواصل التي ألغت دور التواصل مع الوسائل المعرفية الأخرى، والتي تتمثل بالكتاب بالدرجة الأولى، حيث يلعب الكتاب دوراً كبيراً في حياة الشعوب الأخرى في مجال الثقافة والمعرفة والتطور، فالثقافة هي التطور الأساسي في حياة الشعوب لأن الشعوب تقاس بثقافتها.
وهذه مسؤولية مشتركة بين المؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، والتي عليها أن تولي اهتماماً كبيراً بالفعاليات والأنشطة الثقافية في مجال الرواية والقصة والشعر… لأن هذه الملتقيات والمنتديات تسلط الضوء على الجوانب المعرفية والسياسية والاقتصادية، والتي يكون لها شأن كبير في تكوين الرأي العام.
وكما يقال “لن تكون حراً ما دمت جاهلاً ” فالحرية مرتبطة بالمعرفة والمعرفة مرتبطة بالثقافة والثقافة تبني شخصية الإنسان وتوصله إلى قمم المعرفة والنور..
ويحتفي اتحاد الكتاب العرب بيوم الثقافة من خلال إقامة الأنشطة الثقافية والندوات والمحاضرات وغيرها..
وعمل على نشر ثقافة القراءة من خلال إقامة معارض الكتاب في الجامعات والمدارس بأسعار مخفضة ليتمكن جميع الطلاب من اقتنائه..
ولا ننسى الدور الهام لوزارة الثقافة والمراكز الثقافية التي يتوجب عليها مواصلة نشاطها الثقافي وتسليط الضوء على الكتاب والأدباء والفنانين.. إضافة إلى المؤسسات الإعلامية التي نتمنى أن تكون إصداراتها ورقية إلى جانب الإلكترونية لتكون الفائدة أكبر للمتلقي، وحتى الطفل يتشجع على القراءة والكتابة لبناء شخصيته.
وللمدارس الدور الأبرز في بناء الطفل المثقف من خلال تحفيزه على الكتابة، ومن ثم القراءة، وتعليمه قواعد اللغة العربية.. اللغة الأم، فلا يثقل بالمناهج وتعداد موادها و التي تطفئ فيه جذوة العلم والتعلم، وهذا يؤثر في ما يسمى ثقافة المجتمع..