بين الفلافل والصحافة

أدهشني فتى مكافح يعمل باختصاص (قلي الفلافل) في أحد المطاعم الشعبية عندما التقيته مصادفة في أحد السرافيس، وراح يتكلم عن دخله الضعيف الذي يدفعه حالياً للبحث عن مطعمٍ آخر يُقدّر خبرته العالية في تتبيل الفلافل وقليها، ويصرف له الأجور التي يستحقها، فالدخل الحالي بهذا الشكل لم يعد يُطعم خبزاً.

وكم دخلك الحالي – سألتُ الفتى – وكم ساعة تعمل..؟

فقال : يبدأ عملي من السادسة صباحاً بطحن الحمّص المنقوع، ومن ثم أقوم بتتبيله بطريقتي وخبرتي التي تجعل من الفلافل شهيّة الرائحة والطعم، وبعد ذلك أبدأ بتحمية الزيت، وهذا العمل يستغرق نحو ساعة أو ساعتين حسب كمية الحمّص، وحسب توفّر التيار الكهربائي، فإن انقطع سيكون الطحن على مكنةٍ يدوية.

وبابتسامة بريئة وصادقة لمعت عيناي الفتى وقال: وعينك تشوف .. فما إن أضع أوّل وجبة من الأقراص في الزيت حتى تبدأ الناس بالتوافد إلى أمام بسطة المطعم من روعة الرائحة طالبةً سندويش الفلافل، ونبقى هكذا نحو / 11 / إلى / 12 / ساعة لنغلق يومياً – في هذه الأيام الشتوية – عند الخامسة أو السادسة مساء.

قلتُ له: إن حصل ازدحام على الطلب جراء تلك الرائحة اللذيذة كما تقول .. كيف تتمكّن من قلي الفلافل ودرج السندويش في آنٍ واحد ..؟

قال بكل اعتداد: لا .. لا تغلط .. أنا لا علاقة لي بلفّ السندويش، هناك من يقوم بذلك، أنا متخصص بتصنيع الفلافل وقليها فقط، ولكن تخيّل يا أستاذ أن أجور جمعتي لا تتعدى /150/ ألف ليرة فقط.

قلت له جهراً: ألله يعطيك العافية، لا بأس / 150/ ألف ليرة بالشهر بالنسبة لغيرك، ولكنها في الحقيقة لم تعد تكفي إلا القليل.. وقلتُ له في قلبي: أحمد ربك هذا المبلغ أفضل من راتب خريج الجامعة.

قال مستدركاً غلطي: لا لا .. كيف بالشهر ..؟ أجوري بالشهر /600/ ألف، وجمعتي / 150/ ألفاً، أي كل أسبوع .. ولذلك سأبحث عن مكان أفضل.

شعرتُ أنّ تياراً ساخناً يجتاح عروقي .. ورحتُ أتممُ كلاماً بيني وبين نفسي: والله يا حبيب أنت الأستاذ وليس أنا .. ماذا سأقول لك وجمعتي لا تتعدى /30/ ألف ليرة، وشهري لا يرقى إلى مستوى جمعتك .. لا عند تقاعدي بعد أربعين عاماً في عالم الصحافة ولا أثناء عملي قبل التقاعد..؟!

وبينما راح يسألني ماذا أقول ..؟ سرحتُ أسأل نفسي: ما الذي استفدته من عمري الذي قضيته بين رائحة الورق والأحبار، وماذا جنيتُ من حقول الألغام التي كنتُ وما أزال أجوبها مدافعاً عن حق ضائع.. ومواطنٍ تبنيناه وأحببناه .. ووطن عشقناه؟

منذ أربعين عاماً وأنا أسمع مطالب عن تثبيت العاملين في المؤسسات الإعلامية وفق نظام العقود والفاتورة، والنظر بوضع الاستكتاب كعمل فكري وزيادة تعويضه، ومنح تعويض اللباس للعاملين في الإعلام، وزيادة طبيعة العمل الصحفي، ورواتب المتقاعدين المخجلة، ومنح الصحفيين حصانة خاصة لتعزيز تفاعلهم مع القضايا المحلية والمعيشية، وقدراتهم على مواكبة العصر.

منذ أيام سمعت بمثل هذه المطالب تتصاعد من حناجر بعض أعضاء مجلس الشعب – مشكورين فعلاً – ولكن لم نعد نشك بأنها ستتلاشى بلا رائحة ولا أثر .. مثلما ستنتعش جهود ذلك الفتى برائحة ما يصنع .. ومع هذا لن نضيع بين عالمي الصحافة والفلافل .. فلكل قناعاته ورسالته.

آخر الأخبار
واشنطن تقلّص وجودها في العراق وتعيد توجيه بوصلتها نحو سوريا رحلة الاقتصاد الجديد بدأت..ماذا عن الأبواب الاستثمارية المفتوحة؟ إدارات القطاع الصناعي تجهل ضبط مسارها بما يتناغم مع الحكومة «سيبوس 2025».. منصة لانطلاقة سورية نحو الاقتصاد العالمي مذكرة تفاهم بين جامعتي حلب و"الدولية للعلوم والنهضة" الخاصة جمعية "الصنوبر" في طرطوس.. مبادرات لحماية التراث والبيئة "لصوص الكابلات" في حلب.. أزمة جديدة تهدد ما تبقى من البنية التحتية المتطوع علاء جنجارو سطر رسالة في العطاء والتضحية الصناعة الدوائية الخاصة تفتح أبواب العمل والتأهيل المعتقلون المحررون محملون بذكريات لا تحتمل.... طبيب يحارب الصدمة بالصبر والأمل جامعات سورية وعربية تلتقي لبناء مستقبل التعليم دوري الأبطال.. البطل يُثبت علو كعبه ويهزم برشلونة مونديال الشباب.. المغرب تهزم البرازيل لاعبو الريال يعودون لتشكيلة السيلسياو سينر يُتوّج بلقب دورة بكين للتنس مجموعة نارية للأولمبي في نهائيات آسيا بوابة السرعة والثقة.. ولكن من يحرّك الأموال؟ انسحاب السباعي يُشعل سباق انتخابات اتحاد الكرة مرحلة حاسمة لرجال كرتنا.. ساعة الحقيقة اقتربت وديباجة التبرير مرفوضة الشطرنجي مازن الفندي مُهنّأً من وزير الرياضة والشباب