العالم يلهث حماسة وراء (مونديال) الكرة.. والآمال تتعلق على فوز ذهبي.. والمنافسة على أشدها.. والشاشات الكبيرة، والصغيرة تلتمع بالمباريات التي تتوالى واحدة تلو الأخرى.. والجماهير تشتعل فرحاً بفوز مَنْ تشجعه.. وصيحات النصر تتعالى حتى تبلغ الآفاق، ودموع الخسارة بالمقابل تنهمر حارة، حارقة.. وتنطفئ نجوم لتبزغ غيرها، فالأفلاك لا تهدأ في دورانها، وزوايا الأرض تتبدل باستمرار بين ليل ونهار.
هكذا تسير المباريات الكبرى عادة، وهذا ليس بالغريب عنها.. إلا أن الفِرق الرياضية كلها هذه المرة باتت تقف على قدم وساق في ترقب تتصاعد إثارته، ويعلو لهاثه مع توقعات الفوز، أو الخسارة.. فالفوز قد يكون قريباً كما هي الخسارة أيضاً.. وما هو غير متوقع قد يصبح حقيقة على أرض الملعب.. وردود الأفعال حول مباريات كأس العالم تتباين بين حزن وفرح، وعدسات الكاميرات توثق لحظات ربما غدت لا ككل اللحظات.. والانتصار في هذه المباريات يعني الفوز بكأس العالم الذهبية فهل ما هو أدعى إلى الافتخار، والزهو بالنصر أكثر من هذا؟ بل إن فوزاً عربياً استثنائياً قد حقق ما هو أعمق من ذلك، وأكثر بهجة للنفوس في هذا اللقاء الرياضي العالمي الذي شغل العالم على مدى أسابيع، فاستيقظت على إثره الأخوة الغافية في القلوب.
وإذا كان منا مَنْ لا يهتم لأمر الرياضة، ولا أين تقام مبارياتها، أو متى تجري هذه الأحداث الرياضية الكبرى فإن حدثاً واحداً من بينها استقطب أنظار جميع أبناء الأسرة العربية لتخفق له القلوب من المحيط إلى الخليج بعد أن استطاعت الفرق العربية المشاركة أن تثبت بفوزها حضوراً لافتاً جعل مما كان صعباً أن يصبح سهلاً وممكناً.
وما دام انتماء أبناء العروبة إلى بعضهم بعضاً في عناصر مشتركة توحد بينهم فلا فرق بين مغاربي ومشرقي، وما الفوز المغاربي في هذه المنافسة العالمية إلا فوز يكلل جبهة المشرقي أيضاً مادام الانتماء واحداً، والهوية العربية واحدة، والخبر يتصدر الصفحات الأولى الصحف العالمية في فسحة لها من أخبار الصراعات المتصاعدة يوماً إثر يوم، بينما تغطي وكالات الأنباء كل ما يجري لحظة بلحظة، فالمنافسة هذه المرة ليست بين المغرب والمشرق، بل بين غرب وشرق.. بين أجنبي وعربي.
ولا يهم ماذا ستسفر عنه النهائيات بل إن الأهم قد تحقق وهو صيحة الفرح الواحدة التي عبرت وطننا الكبير من خليجه إلى محيطه.. وكأنها حقبة جديدة ستدخل إليها المباريات الكروية في قادم أيامها، أو إنه زمن جديد تتغير في موازين القوى على نحو فاق التوقعات.
وكما أن الموسيقا تقرِّب بين الشعوب كذلك تفعل الرياضة بغض النظر عن أي خلفيات، أو خلافات فالساحرة الصغيرة استطاعت أن تجمع العالم من حولها بروح رياضية عالية، وكأن الحياة ذاتها تتحول إلى ملعب كبير تتعالى فيه صيحات الفرح، والابتهاج بالانتصار.
وإذا كانت هذه الأحداث الرياضية العالمية تأتي بعد النكبات العربية التي ساقها الاستعمار بحلل جديدة إلى بلادنا فإنها نجحت بعد عناء في إضاءة شعاع أمل في النفوس يبشر بانقلاب السحر على الساحر ربما، أو بزوال ضباب غلّف أياماً سوداء، وإذا كانت المنافسة صعبة فإن الإصرار على الفوز أكثر صعوبة، وها نحن ننظر إلى أيام لا يكون فيها الفوز في ساحات الرياضة فقط بل في النهوض بالإنسان العربي حاضراً ومستقبلاً، متجاوزاً أزماته، ونأمل أن نعثر على مزيدٍ من نجوم علم وفكر لكي تلتمع في سمائنا.. والطموح مهما كان جامحاً، ومتطرفاً فإنه يظل قنديلاً يضيء طريقاً، ويبدد عتمة، ويبقى في خدمة البشرية جمعاء.