نهاية عام حملت معها الكثير من التطورات الدراماتيكية ضمن دائرة التوقعات ، فما كان يصرح به أكثر من مسؤول تركي بشأن الرغبة في التقارب مع سورية والدخول في حوارات ولقاءات متسلسلة غدا أمراً واقعاً يعطي مؤشرات إيجابية ما زالت تحتاج الكثير من عوامل الثقة بعد سلسلة من العداوات على امتداد اثنتي عشرة سنة مضت ، كانت تركيا خلالها رأس الحربة في العدوان على سورية وشعبها ، وكانت المستفيد الأكبر من ذلك العدوان حتى حانت لحظة القطاف المر ، فكان الخلاص في التراجع عن تلك السياسات العدوانية والتحول باتجاه الأمر الواقع تجنباً لخسارات أكبر تنتظر أردوغان وفريقه في الداخل التركي.
لقد كانت الأشهر الأخيرة حافلة بالتصريحات الرسمية التركية التي ترحب بفتح علاقات تعاون وتفاهم مع سورية ، دون رد رسمي مقابل ما زاد من وتيرة تلك التصريحات المستندة إلى دعم ورعاية ومساعدة روسية لم تتوقف يوماً انتهت بلقاء ضم وزراء الدفاع الثلاثة ليضعوا أساس العلاقات الميدانية في مضمار التوافق كمقدمة لما يمكن البناء عليه لاحقاً ، إذ أن سنوات من العداوة والاختلافات الكبيرة تحتاج عملية بناء ثقة من جانب تركيا التي يحتل جيشها أراض سورية وتدير أجهزة استخباراتها عمل مجموعات مسلحة تنشط في إدلب وشمال وشرق حلب وتمتلك مقدرات وأسلحة وبالتالي تحتاج تعاوناً كبيراً لاستعادة السيطرة على المنطقة التي توجد فيها تلك المجموعات المسلحة الإرهابية ، وهنا تظهر عوامل التوافق التي غابت عن أنقرة طويلاً وهي تقدمها اليوم كواحدة من أسس التعاون المشترك لضمان مستقبل الأمن القومي للبلدين وضمان حدودهما بمواجهة المجموعات المتطرفة الانفصالية الكردية في المنطقة ، فهل يكون لهذه التطورات تأثيرات مهمة على مستقبل العلاقات الإقليمية والدولية ، وما انعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على سورية والمنطقة؟
ربما حملت التسريبات الصحفية بعض المؤشرات على صدق إدارة أردوغان في الالتزام بتعهداتها للانسحاب من الأراضي التي تحتلها وتسليمها للجيش العربي السوري والتعاون معه في القضاء على المجموعات المتطرفة الموجودة في المنطقة والشروع بفتح الطريق الدولي M4 أو جزء منه وفتح المعابر الحدودية والسماح بانسياب البضائع والتعاون في إدخال المساعدات الإنسانية الدولية والعمل على إعادة اللاجئين الذين اضطرتهم ظروف الحرب الإرهابية للهروب خارج البلاد وضمان عودة طوعية لهم والمساهمة في تأمين احتياجاتهم الأساسية في ظل الظروف الصعبة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها سورية نتيجة الحرب الإرهابية والتي كانت تركيا رأس الحربة فيها على مدى السنوات الماضية كلها.
وتبقى العملية السياسية محكومة بمدى القدرة على بناء الثقة ومدى مصداقية والتزام تركيا بالوعود والتعهدات المضمونة من جانب موسكو لوضع حد لعداوة امتدت لأكثر من عشر سنوات لم تستطع تركيا خلالها تحقيق مشاريعها المعلنة أبداً رغم استخدامها كل الوسائل العسكرية والاقتصادية والسياسية المتاحة لتعود في النهاية للبحث في أساس العلاقات التي ينبغي أن تحكم دول الجوار والمتمثلة في ضرورة التعاون والتنسيق للحفاظ على الأمن والاستقرار وضمان التقدم ، الأمر الذي ما زال يحتاج بعضاً من الجهود والوقت للوقوف على مدى المصداقية من جانب تركيا التي ما زالت بحاجة لإلغاء صفة العدوان عبر إجراءات ملموسة مطلوبة..
السابق