حسين صقر:
ليست مجرد شعارات وهمية، أو كلمات للتسلية، ولكنها حقائق تفرض ذاتها بين الناس، وذلك كي يكون أفراد المجتمع أصحاء نفسياً وعقلياً، ويدركون ما لهم وما عليهم «الديون ليست أموالاً فقط».
فالديون يمكن أن تكون كلمة لطيفة، أو موقفاً أو اعترافاً بالجميل أو ربما نشراً لفضيلة قام بها هذا الشخص أو ذاك.
من هذا المنطلق نقول: «اذكروا محاسن من تعيشون معهم»، وليس موتاكم فقط، فسماع الأحياء لذكر جميلهم يشجعهم على المزيد من العطاء والمنح والتضحية، ويحفزهم على النجاح والمثابرة، والعمل الصالح، وكرّموهم أيضاً، ولا تنتظروا كي يفارقوا هذه الدنيا.
فالديون ليست أموالاً فقط، قد تكون الديون كلمة طيبة وابتسامة ممتلئة بالحنان، ودعم في لحظة انكسار، ومواساة في موقف محزن، ومساندة، وشد أزر في لحظة ضعف، وقد تكون إرشاد في لحظة تيه، ونصيحة في لحظة طيش، وحضن دافىء أثناء هزيمة، وتقوية قلب ودفع نحو النجاح في لحظة يأس وإخفاق، ولحظات وهن، وقد تكون تلك الديون إشعار بالأمان في لحظة قلق.
تلك الديون تسدد أو تمنح دون طلب من صاحبها، لأن تسديد تلك الديون بعد أن يغادر هذا الشخص كمن يطبع قبلة على جبينه تعبيراً عن الندم يوم لاينفع، لأن الاعتذار المتأخر لن يحيي أي علاقة أو يبث روحاً في جسد ميت.
والديون ليست أموالاً، فقد تكون خدمة بسيطة، تؤكد أن قلب صاحبها نقي لا تشوهه علاقات المصالح المادية.
فبعض الناس ونتيجة نكرانهم المعروف الذي يقدمه لهم الآخرون، لا يقللون المروءة من رؤوس أصحابها وحسب، بل يحكمون عليها بالموت، ولو كل شخص منا سدد ديونه المعنوية قبل المادية، وعرف ما له وما عليه، وواجباته وحقوقه، لما اختلف اثنان أو تفرقا، ولن تقتصر نتائج ذلك الإيجابية على طرفي العلاقة فقط، بل تنعكس فيضاً من الجود على الحي والشارع والمدرسة ومكان العمل، حيث تقدم الأمم وازدهارها يقاس بمدى معرفة تلك الحقوق والواجبات.
قد يقول قائل: إن مفهوم المنح والعطاء عند الناس يختلف، ويتباين كغيره من المصطلحات، ولهذا لا يسددون ديونهم تلك. فنقول: إن المنح ليس مادياً فقط، فالمنح كثيراً ما يكون إقرار بالجميل، وعدم التنكر والنكران..
كما الشهامة لا تكون دائماً بالوقوف إلى جانب الشخص مادياً، ولا تعني المروءة والشجاعة والكرم وإكرام الضيف، بل تكون إجارته من ظلم وحمايته من مظلمة، و تعني في أحيان كثيرة حفظ غيبة الأشخاص وكتمان أسرارهم، ومواجهتهم بالتفاصيل والجزئيات إذا اقتضى الأمر..
فالحياة والعلاقات بتفاصيلها الدقيقة وليست بخطوطها العريضة، لأن الخط العريض يراه الناس جميعهم، بينما الخطوط الفاهية والناعمة والدقيقة لا يراها سوى كل صاحب نظرة ثاقبة، وكل شخص يراعي مشاعر الآخرين الذي يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه.