الثورة – علا مفيد محمد:
تختزن الحياة بمعناها الواسع الكثير من الأدوات التي تساعدنا لنكون وأبناؤنا بأفضل حال حيث المفتاح بأيدينا.
صحيحٌ أن فشل الزواج نهايةٌ لا يتمناها أي إنسان وأن الطلاق ليس بالقرار السهل.. إلا أنه في بعض الحالات يكون مخرجاً وحلاً وحيداً حين يصعب الحوار والالتقاء وينعدم التقدير والمودة، ويكون فيه مصلحة الأسرة بشكل عام، لأن استمرارها مع سوء المعاملة والعشرة ليس بالحل الحكيم، بل إنه يجعل الحياة رحلةً من المتاعب لكل أفرادها بما في ذلك الأبناء.
وحين يصبح وقوعه أمراً محتوماً لابدّ أن يرضى الزوجان بالواقع والحياة الجديدة ما بعد طلاقهما.
فالطلاق مسؤولية كبرى يترتب عليها التزامات وأحكامٌ كثيرة، وخاصّةً مع وجود الأولاد، والناجح فيها يخرج من دائرة ألمها إلى فضاء حُسن إدارتها والتعامل معها.
حيث يصبح دور الأب والأم مكثفاً إذ عليهما الظهور أمام الأبناء بتوازن ومراعاة توفير الجو المريح لهم وليس جواً فيه عداء ومشاحنات ما يشوه الصورة أمامهم، لذلك لابد من العيش كأصدقاء ما أمكن يعزّ كل واحدٍ منهما الآخر.
و للأسف هناك العديد من الحالات التي يعيش فيها الأزواج المطلقون في عداءٍ تام لا يخلو من محاولات اصطياد الأخطاء والزّلّات و يعيش الأبناء على أثر ذلك التوتر ويقفون عاجزين عن التّصرف لأنهم سيظلون في حيرةٍ من أمرهم فإن أرضوا أحد الوالدين غضب الآخر و هكذا يكون قد تسبب الوالدان بعقد نفسية للأبناء هم في غنىً عنها.
أما إذا كان الطلاق ناجحاً فلن نرى آثاراً سلبية على الأبناء بل العكس.
*كالدواء المر
في هذا الصدد تقول أم عبد الله التي استطاعت إبعاد أبنائها عن المشاكل وكانت هي من طلبت الطلاق ليعيشوا في أجواء صحية: واصفة الحالة باستراحة المحارب فقد كان زوجها عاطلاً عن العمل، وتتعرض للضرب من قبله باستمرار هي وأبناؤها منوهة أنها تعمل لتغطي نفقات البيت فكان الطلاق في حالتها كالدواء المرّ الذي يتجرعه المريض على أمل الشفاء، وبدلاً من أن يندم على أفعاله ويصلح من نفسه عمد إلى أخذ أولادها عنوةً وضربهم أمامها بحجة أنها لا تصلح أن تكون أماً لهم ولكن وبالقانون وبدعم المقربين استطاعت استرجاع أبنائها وهم الآن في ألف خيرٍ وأمان.
وفي جانبٍ آخر تحدث باسل وهو شاب في منتصف العمر: أنه وبعد زواجٍ دام خمس سنوات وإنجاب طفلين وجد أنه لا مجال للمضي قدماً في حياته الزوجية وبالتراضي مع زوجته قررا الانفصال واتفقا على ألا يؤثر ذلك على طفليهما اللذان لا ذنب لهما، ووضعا خطة لرؤية الطفلين وإدارة أمور حياتهما المختلفة والأهم ألا يشعروا إلا بالمودة والاحترام بين والديهما.
*عدم ذكر الشريك بسوء
وفي هذا الجانب تقول الدكتورة أمل شمس الأستاذة في علم الاجتماع:
” إن القدرة على التعايش مع فكرة الطلاق تتطلب إدراك الزوجين أن الطلاق هو مجرد محطة في رحلة الحياة ليبدأ بعدها رحلة أخرى، وأضافت لو أن كل زوجين يدركان أن الأبناء امتداد لهما فإنهما سيكونان حريصين على أن يعيشوا سعداء في حياتهم، فلا يحرم الأبناء من آبائهم ولا أمهاتهم بل يتم الحرص على لقاءات متقاربة مع الأطفال في جوٍ أُسري. وتبادل المكالمات الهاتفية أمامهم فهما أبٌ وأمٌ في النهاية وليسا أعداء..
وتؤكد الدكتورة شمس على ضرورة عدم ذكر الشريك بسوء أمام الأطفال حتى لو كان الكلام صحيحاً، فالطفل كالاسفنجة يمتص ما يسمع ولا يسهل نسيانه.
وأضافت ضرورة الاتفاق على كل ما يخصهم من ترتيب أمورهم الدراسية إلى تنشيط حياتهم الاجتماعية”.
وبالحديث عن حالات الطلاق التي لا تعد ولا تحصى وتأثيره على الأبناء نجد أنه لا حالة تشبه الأخرى، فمنها قصص مأساوية بما فيها من تدميرٍ للنفس وتشريدٍ للأطفال ومنها ما حقق نجاحاً كبيراً في الحفاظ على استقرار الأطفال ووقار الوالدين بجوّ من المودة والرحمة.
فرغم ادعاء البعض التمسك بتعاليم الإسلام وما نص عليه الدين الحنيف بقوله تعالى:
(فإمساكٍ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان)
إلا أن هناك حالات كثيرة نجد فيها الرجل متلبساً الكبرياء والانفعال الأهوج تجاه المرأة غير مبالٍ بتأثير ذلك على الأطفال، والعكس صحيح.
إنها رسالة إلى الأهل بعدم وضع الأولاد على محك الصراع، و أن يخافوا الله فيهم.