مرت ذكرى رحيل أكثر من عشرة فنانين تشكيليين بارزين غابوا في شهر كانون الأول، في سنوات متباعدة وهم: أدهم إسماعيل ولؤي كيالي وأحمد دراق السباعي وبرهان كركوتلي ووحيد مغاربة وعلي الصابوني ووليد عزت ومجيب داوود وميلاد الشايب وغازي الخالدي ومصطفى الحلاج وغيرهم، ولقد كتبنا عن بعضهم، في حين لم يبادر أحد بإقامة أي معرض أو ندوة تكريمية عن أي منهم، وسوف تمر ذكرى رحيل ستة فنانين تشكيليين بارزين رحلوا في كانون الثاني وهم: ممتاز البحرة ونعيم إسماعيل ومصطفى فتحي وجريس سعد ووليد قارصلي وشريف محرم وغيرهم، والتجاهل مكرس أصلاً بغياب متحف الفن الحديث، وغياب مراكز التوثيق، وبالتالي فالفن التشكيلي السوري الحديث مهدد بخطر التشتت، بسبب الفوضى الفنية، وخاصة في ظل هيمنة مافيات الفن التشكيلي، وعبثها بقيم الإبداع، وعملها المتواصل على تفتيت تجارب الرواد وتغييبهم، لصالح إبراز تلاميذ وهواة الفن وأنصاف الفاشلين.
وفي الوجه المقابل لهذا التجاهل، وعدم الاحتفاء بذكرى رحيل كبار فنانينا، نجد صعود أعداد كبيرة من التجارب الشابة، المتفاعلة مع بعض الأساليب والوسائل المستهلكة منذ عقود في معارض سابقة، محلية وعربية ودولية، وهذه المظاهر المتفاقمة تثير المزيد من الإشكاليات والالتباسات، ولاسيما أنها تعيد تدوير الفنون الغربية في المحترفات المحلية، أو تعيد مكيجة عناصر التراث، دون القدرة على توضيح صورة الاختلاف بين معطيات الفنون الغربية والفنون العربية.
هكذا نجد أن الغرب الأوروبي لايزال يمتلك القدرة المطلقة على التحكم من خلف البحار”بالريموت كونترول” بكل ما يجري في المحترفات العربية من إنتاج فني، رغم أن معظم الفنانين لا يعترفون بأنهم تابعون لا متبوعون، وبأنهم يكتفون بالنوم على أمجاد الماضي، ويرددون العبارات الجاهزة، وفي مقدمتها القول: بأننا أساس كل الحضارات المستمرة والآفلة منذ آلاف السنين، وإذا استثنينا بعض الأسماء القليلة، التي تحاول اختراق رتابة هذه المظاهر الاستعراضية، فإننا نجد أن ردة بعض الشباب والشابات، إلى إحياء التيارات العبثية والدادائية. فالنظرة النقدية تشير إلى مدى طغيان الأساليب الفنية الأوروبية بكل اتجاهاتها وأزماتها وحالات انبعاثها وركودها، وهذا يمكن أن يثير نقاشاً طويلاً حول جدوى البقاء في إطار الاستنساخ والتقليد واجترار مفردات تشكيلية بائدة ومألوفة، بدلاً من محاولات البحث عن إيقاع جمالي جديد يغذي العين وينشر ثقافة تشكيلية جديدة وبديلة ومغايرة.