يمر العالم بمخاض الانتقال إلى واقع جديد تزول فيه سياسة الهيمنة الغربية التي أدت في القرن العشرين إلى نشوب حروب ونزاعات وأزمات خطيرة وتعطيل دور المنظمات الدولية وتوظيفها لتحقيق أطماع ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها.
إن عملية الانتقال هذه تواجه مقاومة كبيرة من الدول الغربية، تستخدم فيها جميع صنوف الأسلحة السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية، وهذا يستدعي من الدول المتضامنة لقيام عالم جديد تزول فيه سياسات الهيمنة الغربية على القرار الدولي المزيد من التنسيق والتعاون المشترك لضمان إنجاز هذا التحول العالمي وإفشال المحاولات الغربية الأميركية لإطالة أمد هذا الهدف وعرقلة مساره الذي قطع أشواطاً مهمة على كل الصعد.
تكتسب دمشق أهمية كبيرة في عملية التنسيق والتعاون بين الدول الساعية إلى تحقيق هذا التغيير العالمي بحكم دورها في عرقلة وإفشال المشروع الإرهابي العدواني في المنطقة، حيث يزورها عدد من المسؤولين العرب والأجانب بغية الاطلاع على تجربته رؤيتها للمرحلة القادمة وسبل مواجهة التحديات الغربية التي تزداد شراسة وخطورة.
وانطلاقاً من أهمية الاستفادة من التطورات العالمية المتسارعة، جاءت دعوة السيد الرئيس بشار الأسد خلال لقائه قبل أيام ألكسندر لافرنتييف مبعوث الرئيس الروسي إلى سورية إلى زيادة التنسيق بين دمشق وموسكو من جهة، وبين الحلفاء من جهة أخرى، من أجل ضمان تحقيق الأهداف والنتائج على مستوى كل دولة وفي الإطار العام الذي يرتكز عليه التعاون بين الدول التي تعمل لتشكل نظام دولي جديد متعدد الأقطاب.
يعد التنسيق بين موسكو ودمشق حول التطورات بين سورية وتركيا أمراً جوهرياً بالنظر لدور النظام التركي في زعزعة الاستقرار في المنطقة ومشاركته في الحرب الإرهابية على سورية وعدم تنفيذ التزاماته بموجب مخرجات مباحثات سوتشي بين بوتين وأردوغان وصيغة أستانا، وكذلك الأمر لعلاقات هذا النظام مع الدول الغربية وعضويته في حلف شمال الأطلسي الذي يدير الحرب على روسيا في أوكرانيا بشكل غير مباشر.
تكتسب المحادثات المباشرة وغير المباشرة الجارية لاستعادة العلاقات بين سورية وتركيا أهمية كبيرة في هذا الوقت، ويعد الانسحاب التركي من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الإرهاب أمراً جوهرياً لتحقيق المصالح السورية وللبدء باستعادة العلاقات بين البلدين على أسس احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون واحترام مبادئ حسن الجوار.
يتحدث المسؤولون الأتراك كثيراً عن فتح صفحة جديدة مع سورية، ومن الطبيعي أن يكون لهم أهداف معينة، ولكن على الأرض لم تنضج بعد هذه العملية، ومن الطبيعي أن يكون لحلفاء سورية دور أساسي في دعم موقفها المستند إلى القوانين الدولية، ولكن حتى الآن تبقى التصريحات التركية مجرد كلام ما لم تتحول إلى إجراءات على أرض الواقع تؤسس لمرحلة جديدة من الثقة والتعاون المفقود جراء المساهمة التركية في دعم الإرهاب الدولي واحتلال أجزاء من الأراضي السورية.
من الطبيعي أن تحوم الشكوك حول المواقف التركية، وأن تصر الحكومة السورية على تحقيق سلة متكاملة تحقق تطلعات الشعب السوري، تبدأ بإعلان رسمي تركي بسحب القوات التركية من سورية باتفاق مع الحكومة السورية، وتعد هذه البداية ضرورية لبدء حوار جدي بين البلدين لحل المشاكل التي خلفتها الحرب الإرهابية على سورية.
لا شك أن الحليف الروسي له دور مهم في إقناع الجانب التركي بعدم جدوى سياساته المستفزة والعدوانية في المنطقة، والتي ألحقت أضراراً جسيمة بعلاقاتها مع العواصم العربية، وخاصة مع دمشق، ومن هنا تأتي الأهمية القصوى للتنسيق السوري الروسي في إنجاح المحادثات أولاً، وفي تراجع النظام التركي عن سياساته العدوانية ثانياً، واتخاذ خطوة جوهرية وإيجابية ينتظر أن تكون الإعلان عن سحب القوات التركية من سورية.