الثورة – فاديا هاشم:
فيما تنشغل أعين المشاهدين بالشاشة، وتطرب آذانهم للأصوات القادمة من خلف الميكروفون، يظل هناك مبدع خفيّ لا يعرفه الجمهور، إنه المُعِدّ الدرامي، هو الشخص الذي يحوّل النص الأصلي إلى حوار قريب من وجدان المشاهد، يوازن بين الأمانة للنص والملاءمة الثقافية، ويعيد كتابة العمل بلغة جديدة دون أن يفقد طابعه.
إنه ببساطة المؤلف الثاني، الذي يعيش في الظل لكنه يترك بصمته في ذاكرة أجيال كاملة. وللحديث أكثر عن تفاصيل المهنة ومعوقاتها، التقت صحيفة الثورة بالمعدة الدرامية زينة حميدة لتوضح لنا ماهية عمل المعد الدرامي في الدوبلاج، أفادتنا: إن الإعداد الدرامي ليس مجرد “ترجمة”، بل هو عملية إبداعية متكاملة، تتطلب معرفة بالثقافة الأصلية واللغة المستهدفة، وفهماً عميقاً لعلم النفس الدرامي، فالمُعِدّ قد يختصر جملة أو يضيف كلمة، يغير مثلاً ثقافياً لا معنى له في العربية إلى آخر يحمل نفس التأثير، أو حتى يعدّل إيقاع الحوار ليتناسب مع حركة الشفاه على الشاشة.
من دون هذا الجهد، قد يفقد العمل قيمته، أو يبدو “معلّباً” وغريباً عن ثقافة الجمهور، لذلك يُنظر إلى المُعِدّ الدرامي بوصفه مؤلفاً ثانياً للنص، يعيش بين لغتين وثقافتين، وينسج خيطاً رفيعاً يصل العالم بالعالم.
وعند سؤالنا لها، كيف دخلت عالم الإعداد الدرامي، بينت حميدة: بصراحة لم أخطط لذلك، كنت هاوية أدبية أكتب النصوص القصيرة ومن قبيل الصدفة اكتشفت عالم الدوبلاج، شدّني التحدي في تحويل النصوص إلى حوارات طبيعية تصل للمشاهد وكأنها كُتبت بلغته، من هنا بدأت الرحلة. وتعرفنا معها على الفرق بين الترجمة والإعداد، فقالت: إن البعض يخلط بين الترجمة والإعداد، وللتوضيح أكثر نوهت بأن الفرق بينهما هو كالتالي: الترجمة تنقل المعنى، بينما الإعداد يخلق حياة للنص، نحن لا نترجم كلمة بكلمة، بل نعيد صياغة الحوار ليحافظ على روحه.
– ما المعوقات أو الصعوبات التي يعاني منها المعد؟
واجهتنا تحديات كبيرة، ولكن ما كان علينا إلا أن نتحلى بالتوازن، أحياناً النص الأصلي فيه مشاهد أو تعابير غير مناسبة ثقافياً، فالمطلوب أن أحافظ على الجوهر من دون أن أخلخل السياق، أيضاً، الوقت عامل ضغط كبير، خصوصاً مع الأعمال الطويلة مثل المسلسلات التركية أو الهندية أو المشاريع الصينية.
– هل تشعرين أن المُعدّ الدرامي يأخذ حقه من الاعتراف بعمله؟
للأسف لا، الجمهور يعرف أصوات المدبلجين، لكن قلّما يُذكر اسم المُعدّ، مع ذلك، نحن جزء أساسي من صناعة العمل، أحياناً أقول: إن المُعِدّ هو “المؤلف الثاني” الذي يوقّع العمل بصمت.
– برأيك، ما الدور الثقافي للدوبلاج في حياتنا؟- الدوبلاج هو جسر حضاري، من خلاله تعرّف الطفل العربي على اليابان عبر الرسوم المتحركة، وتعرفت العائلات على الدراما التركية أو المكسيكية وغيرها، نحن نختصر المسافات ونقرّب العوالم، وهذه مسؤولية كبيرة لأن الكلمة تُترجم ثقافة، لا مجرد لغة.
– كيف ترين مستقبل الإعداد الدرامي؟
من وجهة نظري إذا استمر الوضع كما هو، سنظل في الظل، لكن إذا تأسست معاهد وأكاديميات متخصصة، يمكن أن يتحول الإعداد إلى مهنة معترف بها دولياً، نحن بحاجة إلى تدريب جيل جديد، قادر على المنافسة مع منصات كبرى مثل “نتفليكس وديزني”، وإلا سيبقى الإنتاج الأجنبي أقوى.
– أخيراً، لو لم تكوني معدّة درامية، أي عمل ستختارين؟
ربما ناقدة ثقافية، لكوني أحب تحليل الأعمال الفنية والثقافية أو كاتبة أدبية لأنني أجد نفسي دائماً بين النصوص والحوار، أعتقد أن عشقي الحقيقي هو للكلمة، أياً كان شكلها.
– ماذا تقول المعدة زينه حميدة في الختام؟
أتوجه بالشكر لجميع شركات الدوبلاج التي تشرّفت بالعمل معهم، وساهموا في تكوين الخبرة المهنية وحب الاستمرارية، ومن دورنا نوصي كخبراء إعلام بدعم المهنة من خلال إنشاء برامج أكاديمية متخصصة بالإعداد الدرامي، وإبراز أسماء المعدين في شارات الأعمال، فإنها صناعة الظل، التي تثبت أن الإبداع أحياناً لا يحتاج ضوء الكاميرا ليترك الأثر، بل يكفي أن يكون هناك قلم يعرف كيف يحوّل اللغة إلى جسر، والصوت إلى ذاكرة حيّة.