الثورة – رنا بدري سلوم:
“تصور أن لديك سلاحاً فتاكاً، لكن لا تعرف كيفية استخدامه، أو تستخدمه في التسلية أو الصيد، إنه الكاريكاتور”.. هكذا يرى رسام الكاريكاتور الفنان ياسين خليل (الكاريكاتور) شارحاً في لقائه مع صحيفة الثورة، وهو يطل على صفحاتها برسوماته يومياً، فكيف نشأ حبه لهذا الفن المركب المعقد والبسيط في آن.
– الرسم الساخر أو الناقد يفوق بخطوطه وألوانه التعبير عن مئة مقال.. كيف استطعت أن تعبر عن ذاتك من خلاله؟ وما أدوات رسام الكاريكاتور.. سرعة البديهة، الثقافة، السياسة أم الحلم؟.
في سنة التخرج من كلية الفنون الجميلة يجب أن نختار موضوع التخرج، فكان خياري أن استخدم الكاريكاتور كأسلوب للتعبير عن مشروع التخرج من قسم الاتصالات البصرية “الإعلان”، فاخترت الجانب السياسي لقضية ما، والتعبير عنها بالكاريكاتور، لكوني امتلك المهارة التقنية والثقافية والفكرية نوعاً ما وهو فن لا يعلم في الجامعة، يعتمد على موهبة خاصة حصراً، عدا عن امتلاكي المهارة التي تعلمتها في الجامعة في فن الإعلان، والتصميم، والتسويق البصري التجاري، والسياسي، والاقتصادي، والفكري، والثقافي، والسياحي، والبيئي.. الخ.
ومن هنا كانت البداية وجدت أن مزج الكاريكاتور في الإعلان كان عامل جذب كبير في أي مشروع مهما كان نوعه، وطورته ليكون سلاحاً شاملاً وكقوة ناعمة في شتى المجالات، كأحد الوسائل النادرة والمؤثرة في التعبير والتسويق، بل يتفوق عليها في الوصول لما نريد إلى المتلقي، الكاريكاتير يمكن من خلاله أن نغير له رأيه، أو نجذبه، أو نحرضه، أو نضحكه، أو نغضبه، أو نرشده، أو نوعيه، أو نجعله يثور، أو نسوق أي شيء بسرعة مؤثرة وكبيرة جداً.
كل ذلك في رسمة أو بضعة رسوم كاريكاتورية أو حملة منظمة مدروسة، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك كما حصل في أوروبا من مظاهرات واضطرابات، ومظاهرات بسبب رسوم كاريكاتورية عفوية أو منظمة، وأدى بعضها إلى اغتيال الرسامين كما حصل في مجلة في فرنسا، أو كما حصل في اغتيال الشهيد ناجي العلي في لندن، كمثال عن التأثير في المجتمع سلباً أم إيجاباً، لكن يجب استخدام هذا السلاح كقوة ناعمة متوافقة مع معايير تخدم المجتمع والإنسان وتدعم حقوقه في الحرية والتعبير والسلام وفي حياة كريمة.
وكان أحد مشاريعي تأسيس أكاديمية توطين الكاريكاتور كقوة ناعمة واستخدامه كبقية وسائل الإعلام وبل سيتفوق عليها عبر تنظيمه وإخراجه من الاستخدام العشوائي والتزيني للصحف أو المجلات أو المواقع الالكترونية، وذلك عبر تدريسه تعليماً مركزاً وممنهجاً علمياً، يرتكز على مهارة استخدام الوسائل التعبيرية المختلفة باختصار لأي موضوع أو مشروع، كأدوات تعبير وتفكير يخدم الموضوع وما الهدف منه ومن المستهدف، وسنضع هذه التجربة الناجحة في خدمة سوريا الجديدة، وستكون إحدى قوتها الناعمة وسلاحاً إعلامياً له مفعوله المؤثر إن لم يكن أقواها.
– فن الكاريكاتور يُدرس؟ لماذا نحن مقصرون أمام هذا الفن؟
فن الكاريكاتور لا يدرس.. وهو فن شخصي يعتمد على ثقافة ورؤية ثاقبة في قراءة ما بين السطور وما بعدها وما قبلها، وتعديلها أو تخريبها أو توضيحها، لذلك أردت سد هذه الثغرة عبر تأسيس هذه الرؤية الأكاديمية للكاريكاتور، ونجحت الفكرة في الخارج نجاحاً باهراً ونحاول تعميمها في أكثر من دولة، ونؤسس الآن لها في سوريا إما بدعم من الدولة أو المنظمات الدولية أو الخاصة أو بمفردنا، سوريا بعد التحرير ستكون أكبر مركز إعلامي في الشرق الأوسط وربما مركزاً عالمياً، كما نرى من حماس وشغف للكثير من السوريين المبدعين في الخارج والداخل.
– ما الذي ميز ياسين خليل عن غيره من الفنانين؟ ماذا كلفك هذا الفن لتبقى في حضرته؟
بعد تخرجي من الجامعة بأشهر، نشرت أعمالي في صحيفة العرب اليومية ومجلة العروبة الأسبوعية التي تصدر في قطر بترحيب من صاحبهما عميد الصحافة القطرية المغفور له عبد الله حسين نعمة، وبعد أشهر قليلة تم استقطابي من قبل الأستاذ الكبير طلال سلمان إلى بيروت وتوريطي في العمل في صحيفة السفير اللبنانية واختياري كرسام فيها، لوصل ما انقطع بعد اغتيال الشهيد ناجي العلي، حسب تقديمي من قبل الأستاذ طلال سلمان في الصفحة الأولى حينها، في عمري الصغير آنذاك 27 عاماً، كنت رساماً لأهم صحيفة عربية في بيروت وأهم صحيفة في قطر معاً، كانت مسؤولية مرعبة بالنسبة لي آنذاك، وكان الفاكس هو الحمام الزاجل لإرسال أعمالي إلى صحيفة العرب في الدوحة مع إقامتي الدائمة في بيروت، وكانت الثالثة صحيفة الوطن العمانية تصدر في مسقط هي الأولى في الصحافة العمانية التي تصدر في مسقط ووقعت في غرامها، وما زلت معها حتى الآن ومعهم صحيفة المستقلة الاسبوعية الصادرة في لندن الخ، وبعدها تعودت بأن أنشر معاً في العديد من الصحف والمجلات والمواقع في مختلف دول العالم.
– بصراحة كانت رحلة ممتعة جداً، ورائع أن يكون الشخص موجوداً في أعماله في الذاكرة الصحفية في العديد من الدول العربية والأجنبية..
ربما أنا من المحظوظين لتشرفي بالعمل كرسام كاريكاتور مع عمالقة الصحافة آنذاك كرئيس تحرير السفير اللبنانية الأستاذ الكبير طلال سلمان، وعميد الصحافة القطرية- رئيس تحرير العرب القطرية الأستاذ عبدالله حسين نعمة، ورئيس تحرير صحيفة الوطن العمانية الأولى في سلطنة عمان الأستاذ الكبير محمد سليمان الطائي.وإن اختراع الانترنت وفر علينا التواجد الجسدي في مكان العمل، لذلك عام 2002 عدت إلى الشام، وأضيفت إلى رحلتي الصحفية صحيفة الحرية “تشرين” سابقاً.
– هل كان الكاريكاتور السوري بخير وإلى أين يتجه الآن برأيك؟
لا يوجد كاريكاتور سوري للأسف.. بل يوجد بعض رساميه لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، والبعض الآخر سدت أمامهم أبواب الصحف بسبب قلتها، أو بسبب عدم جدواها اقتصاديا للعيش، إلا من استطاع للوصول إلى الصحف اللبنانية أو العربية والخليجية.
– النقد يحتاج إلى حريّة، هل نمتلك الحرية الكافية لرسم ما يجول في خاطرنا؟
بالتأكيد أي نقد وأي رأي أو إبداع يحتاج إلى حرية.. لكن تضاريس الأعماق السورية الصعبة والرعب من المساءلة- إذا حدثت- علمت الفنانين والمبدعين السباحة في أعتى الظروف لإيصال إبداعهم وأفكارهم ورسومهم بالالتفاف عليها، إلا من آثر الفرار إلى لبنان أو المهجر، نتوقع بعد التحرير أن الحرية ستعم في سوريا وستصبح دولة عادية كما كانت قبل تسليمها للديكتاتوريات عام 1958، وتصبح كغيرها من دول الغرب أن يسبح فيها المبدعون بلا خوف من الغرق، أو الافتراس، ويؤسسون لسوريا عظيمة حقاً.. كما نرى إرهاصاتها الآن رغم الصعوبات المادية والحياتية.. سوريا العظيمة عادت بعد الاختطاف القصري الذي دام أكثر من ستين عاماً عندما تغولت الإيدولوجيا، ومافيا الكراسي، وحيتان العصابة، وبطش صبيان المخابرات.