الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
كثيرة هي الأسئلة التي تُطرح على المبدع، أو يطرحها على نفسه، المبدع أيّاً يكن تصنيفه ومسماه ..أكان أديباً..كاتباً…شاعراً…صحفيّاً ..إعلاميّاً…؟؟ ولعل أهمّها وأكثرها إلحاحاً: ماذا أكتب ؟ لماذا أكتب ؟ هل هناك جدوى من الكتابة ؟ ما الغاية من الكتابة ؟ وغيرها من أسئلة تقضّ مضجع الكاتب، وتشغلُ تفكيره، وتشكّل هاجساً لا يفارقه، ويرافقه في صباحه ومسائه، في حلّه وترحاله..؟ الكتابة بكلّ أشكالها، وأياً يكن تصنيفها فإنها تُغري الكاتب للبحث والتقصي، والغوص في بحور الكلمات والتجديف عبر مرافئها الواسعة وعتباتها البهية …فالكلمة المعبّرة والمنتقاة بحرفيّة واضحة، وجماليّة آخاذة تحرّض بواطن الإبداع لدى الشاعر أو الكاتب متجاوزاً كل العثرات التي قد تعترضه، أو تعترض مسيرته الإبداعية .. عندما يسأل الكاتب نفسه …ماذا أكتب ؟؟…او لماذا يكتب الكاتب والأديب والشاعر …؟؟ تنفتح أمامه كل مسارب وقنوات الإبداع طالما يستمد حروفه وكلماته من الواقع الذي يعيشه بكل حيثياته و تفاصيله، بحلوه ومرّه، بعفويته وبساطته، فأينما اتجه يجد ما يحرك قلمه وعقله وفكره، لتنداح أفكاره صوراً بهيّة تعانق بياض الورق … يكتب عن البسطاء، الفقراء، وقد تعفرت وجوههم بأديم الأرض الطّيبة والتي تعطي بلا حدود … يكتب عن القرى الغافية على كتف النجوم وهي تحلم بالصباحات الجميلة وهي تودّع أطفال المدارس وهم يحثون السير عبر دروبها وأزقتها وصولاّ إلى بوابات مفتوحة على المدى … يكتب عن حراس الفجر والكرامة وهم يزرعون حدود الوطن ويسيجونه بالمقل وأهداب العيون … يكتب عن الغد الأجمل رغم كل مساحات الحزن والسواد ويقبضون بفرح على جمر الانتظار … قد يرى البعض أن لا جدوى من الكتابة وهي لا تعدو (صف حكي ) أو كما يقولون (كلام جرايد ) أي لا فائدة منها، لا تقدم ولا تؤخر، ولا طائل منها في ظل هكذا واقع ؟ واقع يخيم فيه الأسى على الوجوه التي غادرها الفرح إلى غير رجعة ؟! لهذا البعض نقول طالما الشمس تشرق لترسم صباحات الفقراء الطيبين، صباحات الأمل والثقة، سنظل نكتب ونكتب بلا كللٍ أو ملل …نكتب وعيوننا ترنو إلى المستقبل الذي نراه في ابتسامة طفل وهو يتأبط محفظته المدرسية ويقف ببهاء وهو يردد مع أقرانه ..حماة الديار عليكم سلام … نكتب وأقلامنا ما فتئت تقف عاجزة أمام عظمة أمهاتنا وهن يودعن أبناءهن الشهداء بالزغاريد وأكاليل الغار .. تعجز الكلمات وأنت تنظر في وجه أمّ قدمت ستة من أبنائها الأبطال دفاعاً عن عزّة الوطن وكرامته … لا يمكن أن تكون الكلمة رمادية، غائمة، غير جليّة، عندما يكون الوطن في أزمة ومحنة .. هنا يظهر دور الكلمة الهادفة والتي تعادل البندقية في أثرها وتأثيرها …وهذا بدا واضحاً في الحرب الكونية التي فرضت على وطننا سورية، حيث أراد الأعداء طمس الدور الحضاري والتاريخي لسورية والتي تمتد لآلاف السنين، من خلال الكلمة والصورة المضللة للداخل والخارج، فكانت كلمة الحق التي انبرى لها الأدباء والشعراء والإعلاميون والمثقفون السوريون الذين فضحوا زيف وبطلان ما روج له العملاء والمأجورون من شعارات كاذبة، مضللة تنادي بالحرية والديمقراطية و…؟؟!! لقد واكبت الكلمة الصادقة التي انطلقت من أقلام وأفواه الادباء والكتاب البطولات المشرّفة لجيشنا الباسل فجاءت تلك الأعمال الأدبية من شعر وقصة ورواية ومقالة و….لتخلد هذه الملاحم الوطنية الكبرى والتي ستكون علامات مضيئة في تاريخ سورية والمنطقة. نكتب عن الأسر التي تمسكت بالقيم وزرعت في أبنائها المثل النبيلة والخير الذي لا ينقطع وهي أكثر ثقة بأن هذه البذور الطيبة ستعطي أُكلها خيراً وتسامحاً ومحبة … ولا ينفك الكاتب يبحث عن درره مهما كانت الدروب وعرة، والمسالك صعبة، لا يأبه لكلمة محبطة من هنا، ورأي يقلل من تأثير الكلمة ودورها وفعلها في المتلقي والرأي العام هناك، لأنّه (في البدء كانت الكلمة ) وسيظل وقعها وتأثيرها أمضى من السيف، وأكثر رسوخاً وخلوداً في الذاكرة الجمعية للناس والمجتمع … بالمناسبة سئل القصاص الشعبي حكمت محسن ذات مرة، وهو فنان شامل ومن أهم كتّاب الدراما الإذاعية ..من أين تستمد شخصيات كتاباتك، وهل يمكن أن يجف هذا المنبع ؟ قال :انظروا إلى هذا الشارع ما دام يعج بالحركة فإنّ كتاباتي مستمرة … قولاً واحداً ..يظل الكاتب يواجه مثل هكذا أسئلة صعبة، مفتوحة …. لكنه بفكره النّير، وعقله المنفتح، وقلمه الصادق، ينثر كلماته في فضاءات رحبة وهو أكثر قدرة على بث روح الجمال في الكلمة التي لا يمكن أن يخفت بريقها أو يخف وهجها ما دامت هي نبضُ الحياة ،و بداية المعرفة ومهد التكوين …
العدد 1128 – 17-1-2023