ظاهرةٌ ارتبطت بوجود الإنسان على وجه الأرض هي الأطفال مجهولو النسب التي تتمثل في إنجاب أطفال من قبل رجل وامرأة لا تربطهما علاقة زواج شرعیة أو عقد اجتماعي وهذه الظاهرة ليست حصراً بالمجتمع السوري لكن بسبب الحرب لاحظنا ازدياداً كبيراً لهؤلاء الحالات بسبب عوامل مختلفة سنتحدث عنها في هذا المقال؛ لكن قبل ذلك يجب التمييز بين الأطفال مجهولي النسب، واللقطاء، والأطفال غير المصحوبين، والمنفصلين، والأيتام.
يُعرّف القانون السوري مجهول النسب بأنه “الوليد الذي يُعثر عليه، ولم يثبت نسبه أو لم يُعرف والده، بالإضافة إلى الأطفال الذين لم يثبت نسبهم ولا يوجد معيل لهم، والذين يضلّون الطريق، ولا يملكون القدرة للسؤال عن ذويهم لصغر سنهم، والمولود من علاقة غير شرعية وإن كانت والدته معروفة”.
وهنا أقتبس بعض التعريفات المتداولة فاللقیط “هو الطفل الذي یوجد مرمیاً على الطرق لا یعرف أبوه ولا أمه”؛ بينما “الطفل المنفصل عن ذويه” فهو “شخص يقل عمره عن ١٨ عاماً، منفصل عن والديه أو عن مقدم الرعاية القانوني أو العرفي، وليس بالضرورة أن يكون منفصلاً عن أقاربه الآخرين لذا قد تشمل هذه الفئة أطفالاً مصحوبين بأفراد بالغين آخرين من الأسرة”؛ أما “الطفل غير المصحوب” هو “أي شخص يقل عمره عن ١٨ عاماً منفصل عن والديه وأقاربه الآخرين أو منفصل عن مقدم الرعاية الأساسي ولا يعتني به أي شخص بالغ مسؤول، بحكم القانون أو العرف؛ وقد يكون ذلك بشكل كلي أو جزئي، ولفترة مؤقتة أو دائمة، نتيجة تركه عمداً أو لظروف قاهرة أو دون قصد”.
یعیش معظم الأطفال محرومي النسب حیاتهم في مؤسسات خاصة بالرعایة الاجتماعیة، بمسميات مختلفة كملاجئ الأیتام أو دور الأطفال ودور الرعایة وغیرها وقد تقوم بإدارة مثل هذه المؤسسات جهات حكومیة أو جمعیات أهلیة أو جهات خاصة یودع فیها الأطفال بسبب غیاب أو فقدان الرعایة الوالدیة والبعض منهم يعيش متشرداً في الشوارع والحدائق وغيرها.
ویعاني قسم كبير منهم من مشکلات تتعلق بطبیعة عیشهم واندماجهم فى المجتمع بسبب عوامل نفسية خاصة بالطفل نفسه الذي يمتلك نظرة دونية تجاه نفسه كونه لا يملك أباً أو أماً ويفقد الثقة بنفسه أو محيطه وقد يتكون لديه حقد تجاه هذا المجتمع أو بسبب عوامل مجتمعية خاصة بالمحيط الاجتماعي للطفل الذي يرفض وجودهم ويحملهم وزر ذنبٍ لم يرتكبوه وبالتالي مشكلة الأطفال المحرومین من الرعایة الأسریة مشكلة مركبة نفسية واجتماعية معاً وقانونية في بعض الأحيان.
مجموعة من الأسباب التي زادت من وجود هذه الحالات خلال فترة الحرب السورية منها الوضع الاقتصادي من جهة الذي أدى إلى الفقر والحاجة، وأيضاً بسبب انعدام الأمن والأمان في بعض المناطق أدى هذا إلى زيادة في حالات الاغتصاب وغيرها من الممارسات التي لا يتقبلها المجتمع كالعلاقات الجنسية غير الشرعية وكذلك حالات الاعتداء والسبي وما سمي “جهاد النكاح”.
وهذه عينة لما نشرته وسائل إعلام رسمية عن مثل هذه الجرائم خلال الفترة الماضية:
العثور على طفلة حديثة الولادة في محلة الميدان بدمشق.
العثور على طفل حديث الولادة بمدخل بناء في معضمية الشام بريف دمشق.
العثور على طفل حديث الولادة بالقرب من سوق قرية ضمان شمال دير الزور.
بعد العثور عليهما تحت جسر في جبلة وتقديم العناية لهما تم نقلهما لمركز رعاية في دمشق.
عينات لما تم نشره خلال فترة قصيرة عن مجموعة من الجرائم والحوادث والأزمات التي تتعرض لها الأسرة السورية لاسيما أنها مؤشرات خطيرة ولها الكثير من الدلالات والمعاني ومن هنا جاء المرسوم رقم /٢/ للعام ٢٠٢٣ الخاص بحماية ورعاية الأطفال مجهولي النسب الذي وضع المعايير والإجراءات ووزع المسؤوليات لتأمين الرعاية الإنسانية العادلة للأطفال مجهولي النسب وخلق البيئة القانونية والاجتماعية لتوفير العيش الكريم للأطفال مجهولي النسب وحمايتهم وكذلك خلق بيئة سليمة تضمن تأمين احتياجات مجهولي النسب وتربيتهم، وتعليمهم، وليكبروا كبقية أطفال المجتمع.
كما شدد المرسوم على ضرورة حماية الأطفال مجهولي النسب من الاستغلال والإهمال والحفاظ على مصالحهم. وتضمن استحداث هيئة عامة ذات طابع إداري تسمى “بيوت لحن الحياة”، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي ويكون مقرها ريف دمشق، وتكون هي الجهة المخولة قانوناً بكل ما يتعلق بالأطفال مجهولي النسب على كافة أراضي الجمهورية العربية السورية.
هذا كله يمكن هذه الشريحة من الوجود في أسرة أو مركز رعاية تحت إشراف تخصصي ووفق معايير تليق بإنسانيتهم وتلبي احتياجاتهم ومتطلباتهم النفسية والاجتماعية والتعليمية والقانونية وغيرها مع التأكيد على مبدأ الرعاية والاهتمام دون التبني وهذا ما أكده معاون وزير الشؤون الاجتماعية والعمل في لقاء تلفزيوني للحديث عن مزايا المرسوم رقم (٢) لعام ٢٠٢٣.
وفي الختام يبقى أهم بناء في المجتمع هو بناء النفس والشخص فكيف إذا كان هذا الشخص في مرحلة عمرية صغيرة قابلة لأن تكون إيجابية أو في حال الإهمال ستكون عكس ذلك حيث أُدرج النماء في مرحلة الطفولة المبكّرة في أهداف التنمية المُستدامة، وهو ما يؤكّد مُجدداً المرتبة المتنامية لهذا الجانب في برنامج عمل التنمية على الصعيد العالمي حيث تعتبر اليونيسف أن كل 1 دولار تصرفه الدولة على الطفل سيعيده لها 17 دولاراً عندما يكبر؛ لذلك الاستثمار الأمثل لهذه الشريحة أفضل بكثير من تركها لقمة سائغة للاستغلال والانحراف وبالتالي تجسيد مقولة “درهم وقاية خير من قنطار علاج”.
د. مازن سليم خضور