الملحق الثقافي:
وجيه البارودي (1 آذار 1906 – 11 شباط 1996) طبيب وشاعر سوري، وشاهد على القرن العشرين، من مواليد مدينة حماة.
ومن أعلام سورية وقد قيل: «حماة هي: العاصي والنواعير ووجيه البارودي».
حياته
بدأ دراسته الأولى في الكتاتيب ثم في مدرسة (ترقي الوطن) في مدينة حماة سافر إلى لبنان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918 م ليتابع دراسته وأمضى هنالك أربعة عشر عاماً شملت الدراسة الابتدائية والثانوية والجامعية وتخرج طبيباً سنة 1932م من الجامعة الأميركية في بيروت (الكلية السورية الإنجيلية).
فتح عيادته الطبية الخاصة في مدينة حماة عام 1932م إثر عودته من لبنان واقتنى في تلك الفترة دراجةً عادية استخدمها لزيارة مرضاه (أول من يقتنيها في حماة) ثم تطورت الأمور فاقتنى دراجةً نارية بقيت معه حتى أواخر الأربعينيات من القرن العشرين (أيضاً أول من يقتنيها في حماة) وبعدها اقتنى سيارة خاصة به (فكان أول من يقتني سيارة في حماة).
مارس مهنة الطب منذ عام 1932م إلى أن توفي عام 1996م؛ أي إنه ضرب رقماً قياسياً في الاستمرار بممارسة الطب بما يزيد على الستين عاماً، وبالتالي يعد صاحب أطول مدة عمل طبي في سورية على الأقل.
كان إنساناً محباً لأبناء بلده كما أحبه أهالي مدينته لإنسانيته. لكن حدث خلاف بينه وبين مجتمعه عندما رفع الطربوش الذي كان يوضع على الرأس وكان عرفاً إلزامياً في تلك الأيام في مجتمعه الحموي، حيث خرج عن هذا العرف وخلع الطربوش ووضع بدلاً منه البرنيطة ليجابه بنقد جارح من قبل المجتمع.
قال في مدينته حماة التي أحبها ولم يفارقها قط:
فـي حمـاة مقيـم لا أغـادرهـا شاطئ البحر عندي ضفة النهر
فيها النواعير والعاصي شاعرها ثـلاثة ميزتنا حكمـة القدر
شعره ودواوينه
خلال دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت تعرّف على مجموعـة من زملائـه المشهورين في حقل الأدب منهم: (عمر فروخ اللبناني وإبراهيم طوقان الفلسطيني وحافظ جميل العراقي وأبو القاسم الشابي التونسي) وأسسوا معاً جمعيةً سموها دار الندوة عام 1926 م، وفي تلك الفترة انطلق صوته الشعري يصدح بأعذب القصائد وأحلى الأشعار، كما كان لهم قصائد مشتركة منها وادي الرمان التي نظمها مع الشاعر إبراهيم طوقان.
وراء الجمال
أجري وراء الجمال
مغامراً لا أبالي
مستمتعاً باندفاعي
الأعمى وباستبسالي
وكم عبثت بمالي
فلم أوقر مالي
وساءت الحال حتى
عانيت أسوأ حال
ولى الصبا وتبقى
حبي فيا لضلالي
أرجو من الغيد ما لا
أعطى فبئس النضال
والله والله حبي
أضعاف حبي الخال
فيا صبايا رويدا
أساءكن اكتهالي
أساءكن اتزاني
الأقوال والأفعال
ألا أكون محباً
إلا إذا الرأس خال
الراح فيكن تجري
لا في عروق الدوالي
وأسعد العيش إني
أشقى لنيل وصال
ماذا وراء اجتهادي
ماذا وراء اشتعالي
ماذا وراء صلاتي
ماذا وراء ابتهالي
أنتن طول نهاري
أنتن طول الليالي
المائدة
قالت غداؤك عندي قلت يا فرحي
هذا الغداء غذاء الروح والجسد
بالأمس أشحذ منها نظرة فإذا
جادت حفظت لها العرفان للأبد
واليوم كأس مدام في مباهجها
والعين بالعين لم تطرف ولم تحد
وجوّنا بمزايا عطرها عبق
فيا شذا وردنا إن غبت لا تعد
تنزلت من سماء الوحي مائدة
على وجيه فما عيسى بمنفرد
شغلت باللحظ عن أكل وعن كرم
فللصبابة معنى ليس في الدسم
جوعانة عين من يهوى فلا شبعت
من المحاسن عين العاشق النهم
فيا جوارح قلبي من مفاتنها
عبا وإن صام عن حلو الرضاب فمي
تلمظت هوج أشواقي إلى شفة
توحي إلى النفس معنى غير محتشم
فكيف أصبر عن إغرائها أدباً
لا عاش قلب لدى الإغراء كالصنم
راودتها عن دعابات وعن قبل
ورحت أغزل ألواناً من الغزل
مستمتعاً بانتصارات فإن حنقت
أوهمتها باشتطاط الشارب الثمل
أروي لها سير العشاق متخذا
من الرواية دور العاشق البطل
وتنبري هي في دور الفتاة فإن
أمرتها انسجمت في الدور تخضع لي
فإن دنت قبلة ألهبْتها قبلاً
وإن دنت جفوة عشنا على الأمل
حتى إذا دارت الأيام دورتها
إلى التلاقي تنادينا على عجل
وكان ما كان من عتب ومن جدل
ومن طرائف لولا الصبح لم تزل
مرت سراعاً ولم نشهد نهايتها
مات النهار وعمر الليل لم يطل
عتاب
قلت وداعاً يا وجيه وأجهشت ببكائها
فسألتها عن مبعث البلوى وموطن دائها
فتململت وبدا الشحوب على أديم صفائها
عهدي بها كالوردة الحمراء في أندائها
ماذا جرى لك يا سنا عيني وريق مائها
************
أوجيهُ أخشى بعد طول مودة وصفاءِ
أخشى انقلاباً في حياتكَ واحتمال جفاءِ
أخشى افتضاحا بعد طول تكتم وخفاءِ
أخشى عليكَ من النساء وأنتَ زير نساءِ
أنا كيف لا أخشى وحبُكَ عالق بدمائي
أوجيهُ لو نبقى على شوق وخيط رجاءِ
نبقى على حب وإغراء بغير غذاءِ
نبقى على ظمئ ولو لم يبق غير دماءِ
أوجيهُ لو أفنى بحبك ما ألذ فنائي
أنا
مهما شرعت على البحار وسرت في الصحراء
وسربت في الأعماق أو حلقت في الأجواء
فرسوت في الجزر القصية في المحيط النائي
وغزوت أجواز الفضاء وجبت كل سماء
فولجت هالات السنا وسبحت في الأضواء
غيري ويدب على الثرى ويمور كالرقطاء
ويعيش في المستنقعات يموء بالأوباء
وأنا بأجنحتي من الشعر إلى الجوزاء
مهما انتشيت وتهت في كبري وفي خيلائي
وركزت بند النصر فوق القمة الشماء
وشربت نخب أحبتي وشربن من صهباء
مهما شردت فعودتي أبدا إلى مينائي
فلا أقول ليوم
ولى عساك تعود
الروض روضي ودأبي
الهيام والتغريد
1955
رسالة غرام
فكرت في رسالة
أخطها في أسطر
في أحرف معدودة
في قالب مختصر
في لمحة ترى بها
ما حل بي في أشهر
في صيغة رقيقة
تلين قلب الحجر
تأسرها وإن تكن
عنيدة لم تؤسر
يا قلمي هذي كنوز
الدر فانظم وانثر
ويا جناحي استعدا
لاجتياح القمر
ويا مواسم الهوى
املئي فراغ بيدري
ويا رموز سحرنا
على غرامنا اسهري
ويا خمور كرمنا
مع الندى تقطري
ولترقص الدنيا على
أنغامنا وتسكر
رسالة رسالة
الأشواق والتحسر
محمومة مشحونة
بطاقة لم تظهر
وآية في عمقها
وغاية في القصر
بستان حب نورت
زهرا ولمّا تثمر
فيها من القديم و
الحيث والمبتكر
من آل نعم نفحة
ومن مزايا عمر
ومن جميل نغمة
ترنحت في وتري
ومن وجيه لفحة
من اللظى المستعر
أحلام حب في شريط
من ألوف الصور
يحملها على جناحين
نسيم السحر
في موكب العطور نحو
قصرها المسور
فأقتحم القصر ومن
غير النسيم يجتري
فأنساب في أنفاسها
وفي الخبايا الأخر
أسكرها ونال منها
فوق نيل الوطر
وعاد يجري مرحا
في نشوة المنتصر
يسر في أذني
إلى غد فانتظر
العدد 1129 – 24-1-2023