الثورة – هفاف ميهوب:
“سلاحي هو الأدب”.. مقولةٌ تعرّف كلّ قارئ، بما تناولته أشهر الروايات، وأكثرها قدرة على تصوير الظلم الذي لحق بالإنسان والفكر الإفريقي ، إبان الاستعمار البريطاني لنيجيريا.. أشهر الروايات وأشدّها تمكّناً، من تخليص هذا الإنسان، من الفوضى والعنف اللذين عانى منهما، بعد أن خيّم ظلام الاستعمار على حياته..
إنها رواية “الأشياء تتداعى”.. الرواية التي خطر لمولّفها، الروائي النيجيري “تشينوا أتشيبي” كتابتها، بعد افتتانه بنتفِ المعلومات التي كان يجمعها من أسلافه، وبعد امتعاضه من الادّعاءات التي تقول فيها التربية الاستعمارية:
“التربية الاستعمارية كانت تقول، أن مجتمعي ليس فيه ما يستحقّ الذكر.. شككتُ في ذلك ثم اكتشفت أن ثمّة أشياء جميلة، حتى لدى من دعاه المستعمر بالوثني والهمجي”..
هكذا بدأت فكرة الرواية تتضح لدى “أتشيبي”.. أول أديب أفريقي ينادى بضرورة بقاء مفكري العالم الثالث في أوطانهم والكتابة عنها, مثلما التضامن مع قضاياها، وسواء الاجتماعية أو السياسية.. القضايا التي كان أكثر من تناولها ووجدها، تُمكّن أبناء الأوطان المقاومين من بناءِ عالمهم الخاص، بإرثٍ فرديّ ونضالي، ينتهي بهم إلى ألقابٍ أعظمها المحارب.
المحارب الذي يرفض وجود المستعمر الأجنبي على أرضه، ويرفض أن يكون بوقاً له، أو منقاداً لإغراءاته.. المحارب الذي تمتزج روحه بروح الأرض وثقافتها، فلا ينخدع ببعثاتِ عدوّه التبشيرية، عندما يراها تسعى لتفكيك إرثه الثقافي، ولتمزيق ما فيه من قيمٍ وأخلاق وروابط إنسانية..
هذا ما فعله “أوكونكو”.. بطل الرواية الذي واجه المستعمر وحيداً، والذي لم يكن صراعه مع المبشّرين الذين جاء بهم الاستعمار فقط، بل ومع أبناء جلدته ممن انقادوا للإنكليز، وانقسموا بطريقةٍ أدّت إلى انهيار الحياة القبلية التقليدية وتفكّكها..
“الأشياء تتداعى” رواية الحياة البسيطة التي وإن تمكّن الاستعمار من تفكيك كلّ ما فيها، إلا أنه لم يتمكّن، من زعزعة إيمان أبنائها، بعمق حضارتهم وأصالتهم.. أصالة إنسان مدينة “أونيتشا” الواقعة على الضفة الشرقية لنهر النيجر، بل إنسان قبائل “الإيبوا” التي ينتمي إليها “أتشيبي”.. أيضاً، الإنسان المواجه للاستعمار، والإنسان الذي عاصره، والإنسان الذي عاش الاستقلال وما تبعه من انعكاساتٍ وهزّات..
إذاً، الرواية عبارة عن رسالة، ردّ بها هذا الأديب على الغرب الاستعماري، وعلى اغتياله للعقل والثقافة الأفريقية.. رسالة، وإن ركّز فيها على التداعي الكامل لمنظومة الثقافة والأخلاق الافريقية، إلا أنه دافع عن هذه الثقافة،
وأشار إلى امتلائها بالأمثال والحكم، بل وبالتسامح الذي لم يجده في الثقافة الغربية، القائمة على الإبادة الشاملة واللاإنسانية. .