كل الدروب .. تؤدي إلى الإبداع

الملحق الثقافي- فاتن دعبول:
كيف يبدأ الكاتب إبداعه، هل من طقوس تلازمه ويكون حبيساً لها لا تغادره إلى أن ينتهي من منجزه الإبداعي، أم إن الإلهام والتحفيز الشعوري يأتي عفو الخاطر، فتنساب الكلمات والأفكار دون عناء؟
في الحقيقة من يتابع المبدعين في سيرهم الذاتية سيكتشف أن لكل واحد منهم طريقة خاصة يلجأ إليها عندما يريد كتابة رواية أو قصيدة شعر وغير ذلك من فنون الأدب، وتختلف هذه الحالات من شخص إلى آخر، ولكن ثمة قاسم مشترك يجمعها وهو الطرافة والغرابة أحياناً، والهروب إلى النص بطقوس قد تكون غريبة في أحيان أخرى.
ولكل مبدع حكايته، فماذا يقولون عن طقوسهم في الكتابة، وهل حقاً هناك عادات تكبل الكاتب فلا يستطيع إلى الخلاص سبيلا؟

الهدوء والانعزال .. أحياناً
طقوس يقول الدكتور حسين جمعة: الكتابة متعددة تبعاً لطباع الكتاب والأدباء يتخذونها لأنفسهن، وكل يقول: أنا أكتب في وقت كذا .. ومكان كذا.
والرأي عندي في ضوء تجربتي أن حضور الشعر يفرض نفسه ساعة يشاء، وتنقدح المخيلة بأبيات، يستلهم مادتها من تجربته وثقافته وما حفظه من شعر ومسالك فنية، ثم يهذب ما ابتدعته مخيلة المبدع في صميم المراجعة.
أما البحث فإنه يحتاج إلى حضور فكرة مبتكرة، ثم تصقل بالقراءة، وربما تتبدل وتتخذ أشكالاً معدلة، فإذا استقرت، أخذ الباحث يضع مخططاً لها يجليها ويبين سماتها، وهذا يحتاج إلى هدوء وانعزال عمن حوله، لأنه يغير ويعدل كثيراً من الفقرات، فإذا استقام الأمر احتاج من جديد إلى قراءات لتغني الفكرة، وهي تحتاج إلى هدوء وصفاء وابتعاد عن الخلق.
وربما تعتاص عليه مسألة، أو أنها لا تعطيه انقيادها للمرة الأولى، وفي مثل هذه الحال يتركها حتى تنقدح في وقت ما لأنها تظل تدور في باله، فهو قد يحصل على المقصود ليلاً أو نهاراً، وهنا كنت أنهض من نومي لأثبت ما انجلى لي وأفرح بذلك فرحاً عظيماً.
ولا يغيب عن البال أن بعض الآراء تتضح بسؤال الآخرين أو عن طريق توارد الآراء بشكل غير مقصود، وعلى الباحث أن يؤيد ما يذهب إليه بآراء الآخرين إن كانوا قد تواطؤوا معه على الفكرة وإسناد آرائهم إلى مصادرها.

أفتقد اليوم طقوسي اليومية
ويبين الأديب حسام خضور أن الكتابة عمل، لكنه ليس أي عمل، إنه عمل يستثمر طاقات صاحبه كلها إلى الحد الأقصى، ساعة أدائه، وقد ينتج منه ما أراده، أو لا ينتج شيئاً، قد يبدع تحفة أو يتسبب بكآبة، وبالتالي تكتنفه أشياء تدخل عالم الأسرار التي لا يعرفها حتى صاحبها أحياناً، لأنها تتلبسه وتغدو جزءاً منه.
هذا في الجانب غير المرئي في عالم الكاتب، أما في الجانب المرئي منه، فيمكنني أن أضع يدي على بعض الأشياء التي أراها بوضوح في حياتي اليومية، على الرغم من أنها ولدت فيّ من دون أن أدري، وألِفتها بحكم العادة.
في حياتي اليومية أميز بين صنفين في الكتابة:
الترجمة وكتابة القصة والرواية، يجمع بينهما مكتبي، وفنجان القهوة، لست مدمن قهوة، لكن فنجان القهوة، مثله مثل أدوات الكتابة، لا يبرح سطح مكتبي، في الترجمة أعمل عندما لا أكون مرهقاً، وأعمل ساعات طويلة حتى أكاد أفقد الصلة اليومية بالناس.
وفي كتابة القصة أو الرواية، الأمر مختلف، هنا أستيقظ صباحاً وأعمل حتى الضحى، في هذه الساعات أتأمل كثيراً، وأفكر كثيراً، وأكتب قليلاً، الكتابة تدفعني إلى التواصل مع الناس والبحث في تفاصيلهم الدقيقة قبل أن أدخل في كتابة العمل الذي جمعت مواده من الحياة العامة.
في زمن مضى كنت أعتزل الحياة العامة، أو على الأقل، طقوسها اليومية المعتادة، لأبقى في جو عملي أبنيه فقرة ..فقرة، في زمن مضى كانت البيئة الطبيعية جزءاً من عملي، أقصد المكان الذي أكتب عنه، أو ما يشبهه.
اليوم أفتقد رفاهية أن أعيش طقوس حياتي اليومية التي ألفتها وكانت جزءاً مني إلى عهد قريب، لقد حرمني العدوان المستمر بأشكال عديدة على بلدنا تلك الرفاهية، صرت غير قادر على ممارسة طقوس حياتي اليومية بسبب أزمة الطاقة المستفحلة، غدت العزلة رفاهية ذات كلفة عالية، وصار السفر إلى أريافنا حلماً رومانسياً، لكن من يدري، فقد يتحقق حلمي الرومانسي هذا قريباً.

الشتاء .. ربيع الشعر
وترى الشاعرة أحلام بناوي أن كل أديب يحتاج للمحفزات والطقوس، وكأنهما مراحل تنقية لإبداعه ليخرج صافياً عذباً كالماء، وقد يأتي محفز ما يشعل في روحي فكرة قصيدة، أدون الفكرة على ورقة صغيرة حتى أهيىء طقوسي لأكمل الفكرة وأجعلها قصيدة متكاملة، وكثيراً ما تمنيت في لحظات ما أن يختفي الرفاق من حولي لأخلو بالقصيدة، فالطقوس تساعدني على الكتابة.
وأفضل الكتابة في مقهى زجاجي بشكل خاص، وباستخدام الورقة البيضاء الكبيرة والقلم ذي اللون الأسود، وكلما كتبت أبياتاً مبعثرة، أعدت كتابتها بشكل منتظم على ورقة أخرى لأعيد قراءتها مراراً وأنا أكمل القصيدة، وكثيراً ما أرسم بعض الرسوم قرب الأبيات المبعثرة خلال كتابة القصيدة.
وأحب أن تكون طاولتي فيها نوع من الفوضى، بمعنى أن تكون أوراقي مبعثرة أمامي وإن لم أجد ورقة كتبت على المناديل البيضاء، وفي إحدى المرات كتبت على ورقة ظرف الشاي الذي قدمه النادل لي، كما أحب أن أرى السماء من النافذة وكذلك الطريق بالمارين عليه.
وتغريني الطبيعة جداً، حيث كنت أذهب إلى لبنان لآخذ غرفة في أحد فنادقها المطلة على الجبال والوديان وأكتب، كما أن من أكثر الأماكن التي تستفزني للكتابة هو دير سركيس وباخوس في جبل معلولا، والشتاء بالنسبة لي هو ربيع الشعر تتساقط فيه القصائد كالمطر.

لا قاعدة للاستلهام
وتقول الأديبة آلاء أبو زرار:
منذ أول يوم قررت فيه ان أكتب، أن أدخل هذه المغامرة التي تستنزف العقل والروح وتسكب دماءهما حبراً على الأوراق، علمت يومها ألا قاعدة للاستلهام، إذ إنني لطالما حاولت إقحام نفسي في تلك الصورة النمطية التي يصدرها لنا الإعلام عن كاتب هرم ينحني فوق أوراقه وتضيع معالم رأسه في ضباب دخانه ويعانق قلمه بيد محنكة، بينما تمسك يده الأخرى قدحاً عملاقاً تفوح منه رائحة مشروبه المفضل، وأمام هذا الكائن العجيب يمثل مشهد طبيعي بديع هو معينه في استلهام أفكاره وفي إبداع ما يكتب، وتصدح بقربه موسيقا كلاسيكية هي كفيلة بوضع مخيلته على مسارها الصحيح.
حاولت مراراً وتكراراً تقليد الصورة وتأمين لنفسي هذه الظروف بحذافيرها، ولكني تفاجأت بأني كنت أكتب أجمل نصوصي والمخدات تتطاير فوق رأسي وصغاري بجانبي يلعبون، وإني أصوغ عباراتي بسلاسة وأنا أحاول إقناع أحدهما بأن رأس قلمه ما تزال مدببة ولا داع لتقليمه من جديد، ويجدر بي الاعتراف بأن معظم الأفكار تأبى أن تتدفق إلا مع مياه الصنبور وأنا أغسل مواعين العشاء.
الفوضى هي السمة الأبرز
وتضيف ألاء أبو زرار:
الكتابة خشبة مسرح، ولكل مسرح كواليس، وسمة كواليسي الفوضى، سواء على مستوى الأفكار التي أراكمها في مدونتي والتي لو تصفحها أحدهم لما فهم منها شيئاً، أم على مستوى الأوقات إذ لا وقت محدداً ولا حالة نفسية تقيدني، قد أجدني أنهض باكراً وأسرع للكتابة دون تحضير مسبق، أو قد أتفاجأ بإلهام يسرق النوم من عيني بعد منتصف الليل، ولا يغادرني قبل أن أدونه وأعود لسلطان النوم، وأجد نفسي أحياناً في منتصف النهار، أغادر محيطي وانزوي لأكتب فكرة أو خاطرة قبل أن تعاقبني بداء النسيان، فأبيت حائرة أكلم نفسي وأبحث بين طياتها عن هذه الفكرة التي رحلت دون سابق إنذار.
ولكن لم كل هذا التفاني في الكتابة؟ ما السبب الذي يدفعني لهذا الاستنفار أمام الأفكار وكأنها طبول حرب تدق بلا هوادة، فلا تدع لي مجالاً للتريث، للتجاهل أو للخروج من عمق الإلهام إلى سطحية الحياة اليومية واعتياديتها؟ هو سؤال لابد أنه راود كل من لامست أقلامه الورق، الجميع تساءل يوماً عن غايته من الكتابة، ثمة من يكتب ليثبت نفسه بين أقرانه، ومن يكتب لإيصال رسائل ووصف أحداث، ومن يكتب لنيل مكاسب مادية أو مكانة اجتماعية أو لاستعراض عضلاته اللغوية في النحو والبيان، أما عن نفسي فأنا من ذلك النوع الأخير والبسيط الذي أصابته لعنة الكتابة فأدخلته في متاهة»مينوتور» الأسطورية، عندها وجدت نفسي قرباناً يركض هرباً من وحش الإلهام ولا ينجو منه إلا بتفريغ الأفكار والهواجس والمشاعر على الورق.

العدد 1131 – 7-2-2023

آخر الأخبار
توزيع سلل صحية في ريف جبلة مرسوم بمنح الموفد سنة من أجل استكمال إجراءات تعيينه إذا حصل على المؤهل العلمي مرسوم يقضي بالسماح لطلاب المرحلة الجامعية الأولى والدراسات العليا المنقطعين بسبب الثورة بالتقدم بطلب... مرسوم بمنح الطالب المستنفد فرص الرسوب في الجامعات والمعاهد عاماً دراسياً استثنائياً مرسومان بتعيين السيدين.. عبود رئيساً لجامعة إدلب وقلب اللوز رئيساً لجامعة حماة   انفجارات في سماء الجنوب السوري منذ قليل إثر اعتراض صواريخ إيرانية أوقاف حلب.. حملة لتوثيق العقارات الوقفية وحمايتها من المخالفات والتعديات تفعيل النشاط المصرفي في حسياء الصناعية تحديد مسارات تطوير التعليم في سوريا تعاون  بين التربية و الخارجية لدعم التعليم خطط لتطوير التعليم الخاص ضمن استراتيجية "التربية"   تجارة درعا.. تعاون إنساني وصحي وتنموي مع "اينيرسيز" و"أوسم" الخيرية بدء توثيق بيانات المركبات بطرطوس الهجمات تتصاعد لليوم الرابع.. والخسائر تتزايد في إيران وإسرائيل صالح لـ (الثورة): أولى تحدّيات المرحلة الانتقالية تحقيق الاستقرار والسلم الأهل مشاركون في مؤتمر "الطاقات المتجددة" لـ"الثورة ": استخدام الموارد بشكل أكثر كفاءة ودعم البحث العلمي قتلَ وعذبَ معتقلين في مشفى المزة العسكري.. ألمانيا تحكم بالمؤبد على أحد مجرمي النظام المخلوع  "تجارة إسطنبول": نجري في سوريا دراسة ميدانية لفرص الاستثمار "الفيتو الأميركي".. هل حال دون اغتيال خامنئي؟.. نتنياهو يعلّق الفساد المدمِّر.. سرقة الكهرباء نموذجاً عطري: العدادات الذكية ليست حلماً بعيداً بل هي حل واقعي