بزلزال الإرهاب أو الطبيعة.. بيت واحد
افتتاحية الثورة- بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة
يثق السوريون بأن جراحهم ستضمد، وسيطوون ليالي الزلزال المروعة، فهم الصابرون، ولديهم من الإيمان بالله وحب الوطن والتضحية، ما يكفي لإنتاج المستحيل.
ثقتهم هذه لا حدود لها، رغم الفاجعة الكبرى برحيل المئات من أبنائهم وأحبتهم، ورغم كل معاناتهم الناتجة عن هذه الكارثة الطبيعية، ورغم صور المآسي التي تفطر القلوب، وتتشقق لها الحجارة، كتلك الأم التي تحتضن طفلها وقد فارق الحياة، وذاك الصغير الذي يصرخ من تحت الأنقاض: “أين أمي.. أين أبي”؟
يثقون بمن يقف معهم في السراء والضراء، ولن ينسوا أبداً مواقف الدول الصديقة والشقيقة التي مدت يدها لهم، فمن الجزائر ومسقط وطهران وموسكو وأبو ظبي إلى عواصم عديدة مازالت على الخطا، تتحرك كل ساعة لتعلن تضامنها، وترسل مساعداتها الإنسانية العاجلة لإغاثة المنكوبين.
وقبل كل هذا يثقون بقيادتهم، وبإرادتهم التي هزمت الإرهاب والصعاب، فمن رئيس الجمهورية، السيد الرئيس بشار الأسد، إلى مؤسسات الدولة، مروراً بآخر عامل وجندي وموظف وطبيب ومسعف، وكل مواطن حر شريف، استنفر الكل منذ اللحظات الأولى التي أعقبت الزلزال، فسيادته يوجه ويرسم مع الخبراء عناوين خطة التحرك الطارئة، والمؤسسات تسابق الزمن لتنفذ على الأرض ما يبلسم جراح المنكوبين، ويؤمن لهم المسكن والغذاء والعلاج، ويعيد إلى نفوسهم الأمان.
يثقون بجيناتهم التي تعشق التكافل والتعاضد، فيعطف غنيُّهم على فقيرهم، ويركض الجميع أمام جريحهم، ويستنفر محبو الخير في مجتمعهم المتآلف، في مشهد قل نظيره، فهذا يبحث بين الركام لينقذ روحاً، وذاك يعطي ليستر منكوباً، وآخرون على الدروب جميعها.
يثقون بأنهم سيتجاوزون الكارثة رغم كل سياسات الحصار والعقوبات التي تنتهجها واشنطن وأدواتها في الغرب والشرق، وتمضي بخطواتها الظالمة بشكل قبيح، مع أن الأخلاق الإنسانية، وحتى البروتوكولات السياسية والدبلوماسية، تحتم على أي دولة في العالم أن تطوي دفاتر السياسة، ولو مؤقتاً، في لحظات يفترض ألا تعرف سوى حديث “الإنسانية”.
يثقون بأنفسهم رغم أن الكثير من “أشقائهم” العرب ترددوا، ليس بإمكانية إرسال المساعدات الإنسانية فقط، بل حتى بالتعبير عن تضامنهم معهم، ربما لأنهم ينتظرون الإشارة من واشنطن، ورغم أن العديد من دول العدوان على سورية حضرت أمام قادتها الأجندات وغابت “الأخلاق الإنسانية”، ولم ينبسوا ببنت شفة، ولم يعربوا حتى عن حزنهم على أطفال قضوا تحت الأنقاض، ولو كان حزناً مزيفاً، كما عودونا في أثناء متاجرتهم باللاجئين، وذرفهم دموع التماسيح على ضحايا الإرهاب.
فقد حاصرنا هؤلاء، وألهبونا بنار الإرهاب، وكوونا بقصف الطائرات والصواريخ، ولم يسمحوا للآخرين بمساعدتنا حتى في مواجهة الأوبئة والأمراض و”كورونا شاهد”، واليوم، ومع الزلزال المدمر، يكررون طبيعتهم متجاهلين أن “الإنسانية” و”التمدن والحضارة”، التي يحاضرون بها على العالم صباح مساء تحتم على كل بني البشر، في زمن الأزمات والكوارث تحديداً، أن يتحركوا فوراً لنجدة من أصابته الكارثة الطبيعية وإغاثته، وتأخير ساعة “السياسة” إلى وقت آخر.
ومع كل هذا التردد من “شقيق”، والحقد من محتل وغاصب، فإن ساعة “باب الفرج” ستدق على السوريين من حلب، ومن جبلة واللاذقية وطرطوس وحماة وإدلب، ومن كل ذرة تراب سورية، من الجزيرة إلى درعا، لتعلن للقاصي والداني بأن الفرج على سورية وأهلها سيأتي، لأنها وأهلها تربة واحدة، وأسرة واحدة، تنبض بالحب والتضحية والحياة، ولأنها عصارة الحضارة وموطنها الأول، والرحمة لأرواح من رحلوا إلى ربّ كريم.