الملحق الثقافي- غسان الشامي :
كتب الأستاذ غسان الشامي على صفحته مخاطباً العالم:
لا شاهق فوق عزتها ولا سامق فوق قلعتها ولاطيب مثل أهلها ولا عزيز جرحٍ مثل حنجرتها.
إنها تراجيديا الزمان الوغد وهناهينُ الوجع.. المدينة المؤسِسةُ للمدنية ..بّحة صوتِ آرام وصليل سيف الدولة وعبقر المتنبي وحزن أبو تمام..حلب.
المشهد من حلب في محنتها الصقيعية يخجلُ سوفوكليس، وهذه الشمس السيبيرية اليوم تُنكّلُ بعِزة أطفالها الخارجين من تحت أنقاض شباط، التاركين مخدّاتهم ولعبهم تحكي للأنقاض حكايات الغولة والأميرة، الفارين من البيوت المتصدعة إلى مراكز الإيواء الفاغرة روحها، حكايات تجعلك أقرب إلى الكفر بالإنسانية، أو تتجاوز حدّ الكفر.
يُسفرُ التاريخ عن مآسيه، ولطالما أخبرتنا الكتب عنها، لكنه الآن يكشف عن أشداقه وأسنانهِ الصفراء بالصوت والصورة الملوّنة والجثامين القائمة من الركام والمُدِينة لحيواتنا.
كل حجرٍ في حلب يتيم
كل جرسٍ أو أذانٍ كتيم
كل طير أو جناح..ذبيح
تكاد أوردة أنفاسنا تختنق، أمام الرضيع عمر الذي فقد والديه وبات بين يدي الممرضة في مشفى الرازي، وتمنع عنه حقارة «قيصر» ورعاته حليب الأطفال، أو الكهل الذي حطمهُ سقفٌ كان يفترض أن يحمي شيخوخته.
في كل زاوية رواية مدماة، وفي مراكز الإيواء روايات تكفي قراء كوكب الأرض برمته. يحدثونك بصمت عن المصيبة والفقدان والعوَز في مدينة كانت أقل امرأة فيها تتجمل بكيلو من الذهب.
هل شاهدتم أو سمعتم عن عائلات تنام على مقاعد المدارس وتتناوب على بطانية واحدة؟!.. جحيم لم يحلم به المعري أو دانتي..نعم هذا يحدث في حلب وأخواتها السوريات.
كان ليل الأربعاء حين وصلنا حلب مع قداسة البطريرك أفرام الثاني كالحاً .. الشوارع تحضن الركام والغبار.السيارت غرف نوم عائلية قلقة خوفاً من الهزات الارتدادية وتوسلاً للدفء. اللائذون بالمآوي يتوَسلون إغفاءة، أما نهار الخميس الذي تمطّى بشمسهِ فدفعَ الأرجل المتعبة لاستطلاع الأضرار وتفقد البيوت، ودفعنا للسعي معهم.
ها هي سورية تخرج من الجُب، والناس تنتشل الناس وتتكىء الأكتاف على بعضها ويعمّ الحنان والتكافل.. الجزائريون يعملون بحب وحرفية والتوانسة الأطباء يتعاونون مع المشافي.
تتمة ص 2
العدد 1132 – 14-2-2023