لميس عودة:
يحفل التاريخ النضالي لأهلنا في الجولان العربي السوري المحتل بمحطات وطنية مشرفة وملاحم بطولية خالدة صاغوا من خلالها انصع صفحات المقاومة بتمسكهم بعرى انتمائهم الوطني، ورفضهم وتصديهم لمخططات العدو الصهيوني المتمثلة بقرارات الضم الباطلة، وفرض جنسية وهوية المحتل الغاصب.
فمنذ اللحظات الأولى لاحتلال أرض الجولان عام 1967 أدرك أهلنا في الجولان الأشم خطورة المؤامرات الصهيونية وأبعادها وغايات سلخ الجولان عن عمقه السوري فكانوا صخوراً صلبة تكسرت على منعتها مخططات العدو الصهيوني ومشاريع السلخ والضم والتوسع الاستيطاني وغيرها من محاولات فصل الجولان عن وطنه الأم، فالتحصن براية الوطن في كل احتجاجاتهم وتظاهرات رفضهم لأجندات العدو الصهيوني، كان على الدوام أقوى رد على محاولاته التي باءت وتبوء للحظة الراهنة بالفشل.
وتأكيداً على ثوابتهم وأصالة انتمائهم ومبادئهم الوطنية باعتبارها خطوطاً حمراء غير قابلة للمساومات اصدر أهلنا في الجولان المحتل في الـ 25 من آذار عام 1981 وثيقتهم الوطنية التي أكدوا فيها أن “الجولان المحتل جزء لا يتجزأ من سورية العربية، وأن الجنسية العربية السورية صفة ملازمة لنا لا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء وأرضنا هي ملكية مقدسة لأبناء مجتمعنا السوريين وكل مواطن تسول له نفسه أن يبيع أو يتنازل أو يتخلى عن شبر منها للمحتلين الإسرائيليين يقترف جريمة كبرى بحق مجتمعنا وخيانة وطنية لاتغتفر”، مشددة على عدم الاعتراف بمجالس الاحتلال.
إضراب الكرامة ومعركة الهوية
في 14 كانون الأول 1981، أعلن الاحتلال قراره الباطل بـ “ضم الجولان” وفرض قوانينه وولايته عليه، الأمر الذي لاقى رفضاً قاطعاً من أبناء الجولان الذين تصدوا لهذا المخطط بإضراب شامل مفتوح، ويعد الإضراب الشامل الذي نفذه أهلنا بالجولان قبل41 عاماً أنصع صفحات نضالهم وجاء بعد اجتماع شعبي ضم الآلاف منهم، في 13 شباط 1982، وقرروا فيه إعلان الإضراب في 14 شباط تأكيداً على رفضهم لقرار الضم ومقاومة مخططات و إجراءات الاحتلال والتمسك الثابت بهويتهم الوطنية السورية.
وفور إعلان الإضراب قامت قوات الاحتلال بفرض طوق حصار عسكري خانق على القرى والبلدات في الجولان، ومنعت وصول المواد الغذائية والطبية، وقطعت الكهرباء عن الأهالي في محاولة للتعتيم على ما يجري وعزلهم عن العالم الخارجي، للضغط عليهم وإجبارهم على إنهاء الإضراب والقبول بقوانين الاحتلال ومخططاته، ومارست الترهيب والتنكيل باعتقالها عشرات الشبان من أبناء الجولان بعد أن نفذت حملات مداهمة للبيوت وفرضت منع التجول في مختلف القرى.
جرائم الاحتلال لم تثن أهالي الجولان عن مبادئهم وثوابتهم الوطنية، ولم توهن إرادتهم فقابلوا الحصار الجائر وضغوط الاحتلال بالثبات والمقاومة والتجذر في أراضيهم وقراهم، وخاضوا خلال فترة الإضراب مواجهات عنيفة مع قوات الاحتلال، كان أهمها معركة الهوية التي جرت في الأول من نيسان عام 1982، بعد أن اقتحمت قوات الاحتلال عدة قرى ونكلت بأهاليها.
وبعد قرابة 6 شهور من الإضراب اضطر الاحتلال للإذعان لمطالب الأهالي والتراجع عن مخططات فرض “الجنسية الإسرائيلية” على أبناء الجولان، وفي17 كانون الأول من العام ذاته، صدر قرار مجلس الأمن الدولي 497 الذي يؤكد هوية الجولان العربية السورية، ويعتبر قرار الضم ملغى وباطلاً، ولا أثر قانونياً له.
لم يتوان أهلنا في الجولان عن التضحية والفداء المقدس صوناً لحقوقهم المشروعة وتمسكاً بهويتهم الوطنية، ورفضهم لمخططات الاحتلال فقدموا قافلة من الشهداء دفاعاً عن أرضهم، من بينهم.. عزت شكيب أبو جبل، نزيه أبو زيد، غالية فرحات، نزيه محمود، هايل أبو زيد، سيطان الولي، أسعد الولي إضافة إلى الكثير من الأسرى في سجون الاحتلال.
ولم تتوقف مساعي الاحتلال للنيل من صمود وثبات أهلنا بالتضييق عليهم وتشديد طوق الخناق الاقتصادي، ففي 27 آب 2014، أغلق الاحتلال معبر القنيطرة الذي يعد المعبر الشرعي الوحيد لتواصل أهالي الجولان المحتل مع وطنهم سورية، وتسويق محاصيلهم الزراعية “التفاح والكرز” فيها.
وفي 30 تشرين الأول 2018، نفذ أهلنا بالجولان اعتصاماً في بلدة مجدل شمس رفضاً لما تسمى “انتخابات المجالس المحلية”، ومنعوا سلطات الاحتلال من إجرائها وأحرقوا “البطاقات الانتخابية”.
وتوالت منذ احتلال الجولان وقفات العز والكرامة وانتفاضات أهلنا في وجه المحتل الغاصب واتقدت شعلة مقاومتهم لوجوده الاحتلالي ومخططاته العدوانية ولم يخفت وهجها رغم كل الإجراءات القمعية والترهيبية التي مارسها بحقهم بدءاً من مصادرة الأراضي والممتلكات لإقامة مستوطنات وإحلال صهاينة فيها، فضلاً عن الاعتقالات التعسفية، ومنعهم من إقامة جسور تواصل مع وطنهم، والسطو على محاصيلهم الزراعية ومياهم، وليس انتهاء بمحاولة إقامة مراوح هوائية ” توربينات “على أراضيهم.
فمقاومة أهلنا الجولانيين للاحتلال سلسلة ممتدة حلقاتها منذ 56 عاماً للآن لم تنقطع، ولن تنفرط حلقات النضال فيها حتى تحرير الجولان وعودته إلى وطنه.
اقرأ في الملف السياسي