ريم صالح:
“وعد من لا يملك لمن لا يستحق”..
ما نتحدث عنه هنا ليس وعد بلفور، وإنما هو وعد ترامب بنسخته المحدثة لعام 2019، وإن كان كثيراً ما ينسجم في طياته العدوانية، وأبعاده الإستعمارية، مع وعد بلفور، حيث تعددت أسماء المستعمرين، وتنوعت الأماكن التي ترنو إليها أنظارهم الطامعة إلا أن المضامين النهبوية لأجندات الغرب الاستلابية تبقى واحدة.
ففي 25 آذار عام 2019، وقّع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أمرًا تنفيذيًّا ينص على اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، وذلك بحضور رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلية حينها، بنيامين نتنياهو، الذي وصف الخطوة على حد تعبيره بأنها “تاريخية”.
اللافت هنا أنه وخلافاً لموضوع الاعتراف بالقدس عاصمةً لكيان الاحتلال، لم يأت الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل من خلال تشريع أميركي عبر الكونغرس، بل جاء من الحكومة الأميركية على صيغة “هدية” من ترامب إلى “صديقه” نتنياهو وفق ما ذكره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
ولكن القرار الأمريكي الباطل حول الاعتراف بسيادة الاحتلال على الجولان السوري المحتل لم يكن مفاجئاً، أو صادماً، بل على العكس تماماً كان متوقعاً، لاسيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما سبقه من خطوات وإجراءات أمريكية، والتي كان أبرزها الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال، ثم قرار نقل السفارة الأميركية إليها، كذلك وتحديداً في 11 آذار 2019، اصطحاب نتنياهو كلاً من السيناتور الأميركي المقرّب من ترامب، ليندسي غراهام، والسفير الأميركي لدى الكيان الإسرائيلي، ديفيد فريدمان، في جولةٍ في الجولان السوري المحتل، ليعلن خلالها غراهام إن هناك توجهًاً داخل الكونغرس الأميركي للاعتراف بالجولان جزءاً من الكيان الإسرائيلي، وأيضاً لم يكد يمضي يومان على تصريحات غراهام تلك، حتى صدر التقرير السنوي للخارجية الأميركية عن حقوق الإنسان في العالم، وكان لافتاً أنه نزع صفة الاحتلال عن الأراضي العربية التي تحتلها “إسرائيل” بما فيها الضفة الغربية والجولان السوري المحتل، وهو التقليد الذي ظل سائداً في التصريحات والبيانات الرسمية الأميركية منذ 1967.
لتأتي الخطوة النهبوية غير الشرعية الأخيرة في 21 آذار 2019، وذلك عندما غرّد ترامب على توتير أنه: “وبعد 52 عامًاً، حان الوقت للولايات المتحدة أن تعترف بالكامل بما سماه “سيادة إسرائيل” على الجولان السوري المحتل الذي يتسم بأهمية إستراتيجية بالغة للكيان الإسرائيلي “، ثم جاء توقيع الإعلان رسميًاً في 25 آذار 2019، وقام ترامب وقتها بإهداء نتنياهو قلم التوقيع كتذكار رمزي، بينما كافأ رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي ترامب على قراره الذي انتهك القانون الدولي، وقراري مجلس الأمن الدولي رقم 497 و242 بإهدائه «صندوق نبيذ» من النبيذ المصنٌع اسرائيلياً في الجولان السوري المحتلّ.
ووفق متابعين يُعتقد أن فريدمان هو الشخصية الأساسية في الإدارة الأمريكية التي دفعت في اتجاه إصدار هذا الإعلان، بدعم من مستشار ترامب وصهره، جاريد كوشنر، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومستشار الأمن القومي، جون بولتون آنذاك.
والجدير ذكره أن بعض وسائل الإعلام الأميركية، كشفت نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن مستشاري ترامب شجعوه على الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان السوري المحتل، من منطلق أن ردود الفعل التي أثارها قرار الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لكيان الاحتلال كانت أقل كثيراً مما توقعوه، كما أن التنسيق الأمني بين “إسرائيل” وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة لم يتأثر بقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، ولا يوجد سببٌ لتوقع عاصفة أشد في موضوع الجولان السوري المحتل.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن الأمم المتحدة لا تزال تعتبر الجولان “أرضاً سوريّة محتلّة”، وتطالب الاحتلال الإسرائيلي بالانسحاب إلى خلف حدود الرابع من حزيران 1967 بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242.
هذا وترتكب سلطات الاحتلال الإسرائيلية انتهاكات مستمرة منافية للقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة ضد أهلنا في الجولان السوري المحتل، وتمت إدانتها من قبل الأمم المتحدة في كثير من الأحيان، أبرزها في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 338.
اقرأ في الملف السياسي