السدود التركية على نهري دجلة والفرات وأخطارها المحدقة بالمنطقة

الثورة – د. محمد رقية:
تمارس تركيا إضافة لاحتلالها المباشر أراض سورية أنواعاً أخرى من الحروب وهي حروب المياه  بالضغط والابتزاز وقطع مياه نهري دجلة والفرات من خلال إقامة عشرات السدود على هذين النهرين للتحكم بمياههما ضاربة بعرض الحائط بالاتفاقيات الدولية التي توزع حصص المياه بالتساوي بين الدول التي يجري فيها النهران اللذان يعتبران من أهم مصادر المياه لتركيا وسورية والعراق, وبالاتفاقية التي وقعتها مع سورية عام 1987.
إن أخطر ما تقوم به تركيا هو أنها تحاول أن تعتبر الماء سلعة تجارية، وهذا يخالف القانون الدولي، لأن الاتفاقيات الدولية تشدد على ضرورة الأخذ بعين الاعتبار حاجات الدول من الماء، وتحظر على تركيا، في هذه الحالة، اتخاذ أي إجراء من شأنه الإضرار بتلك الدول، أي سورية والعراق. ولا يفوق عمله هذا سوى ما تقوم به أثيوبيا من محاولة قطع مياه النيل عن مصر والسودان.
منذ آلاف السنين كانت مناطق ما بين النهرين دجلة والفرات عامرة و كانت ضفافهما وحوضهما المهد الأساسي للحياة وابتكار الزراعة المروية قبل حوالي 12 ألف عام، كما مارست الشعوب القديمة عبر الحضارات المختلفة من أيام السومريين صيد الأسماك والنقل النهري والتجارة البينية، وتتابعت الأنشطة البشرية الاقتصادية وبنيت آلاف المدن والقرى عبر آلاف السنين في حوضهما، لا يزال بعضها حيّاً إلى اليوم.
يشكل الفرات أحد الأنهار الكبيرة في جنوب غرب آسيا في كل من تركيا وسورية والعراق، وينبع النهر من السفوح الجنوبية لجبال طوروس في هضبة الأناضول في تركيا حاليا”, التي كانت  تشكل جزءاً من أراضي سورية الطبيعية, ويتكون من نهرين هما مراد صو شرقاً بطول 600 كم، ومنبعه بين بحيرة “وان” وجبل أرارات في أرمينيا، وقره صو غرباً بطول 400 كم  ومنبعهُ في شمال شرقي الأناضول.
والنهران يلتقيان في حوض ملطية الذي تنحدر المياه إليه بكثرة أثناء ذوبان الثلوج في الهضبة الأرمنية , وتجري مياههما جنوبا مخترقة سلسلة جبال طوروس الجنوبية، ثم يجري النهر إلى الجنوب الشرقي وتنضم إليه فروع عديدة قبل مروره في الأراضي السورية والعراقية ليكون شط العرب الذي يصب في الخليج العربي.
ومن خصائصه أنه ونهر النيل يعدان أغزر نهرين في الوطن العربي، ويدخل نهر الفرات في الأراضي السورية عند مدينة جرابلس، ليصل توالياً إلى سد تشرين (الموجود في منبج، في أعلى سد الثورة) ثم سد الثورة يليه سد البعث (على بعد 20 كم شمال الرقة)، ومنذ عام 2017، تقع هذه السدود الثلاثة تحت سيطرة ميليشيا “قسد” الانفصالية، كما تنصلت تركيا من الاتفاقية التي وقعتها مع سورية عام 1987.
وفي سورية ينضم إليه نهر البليخ ثم نهر الخابور (الذي جف لقيام تركيا بحفر آلاف آبار المياه مقابل الينابيع في رأس العين التي كان ينطلق منها نهر الخابور بما فيها النبع الكبريتي (الفوار), وقد زرتها عام 1984 وكانت آية في الجمال وخاصة النبع الفوار الذي ينطلق بمياهه الكبريتية الخضراء والكبريت يتوضع على صخور المجرى، ثم يمر النهر في محافظة الرقة ويتجه بعدها إلى محافظة دير الزور، ويخرج منها عند مدينة البوكمال، ويدخل أراضي العراق عند مدينة القائم في محافظة الأنبار ليدخل بعدها محافظة بابل ويتفرع منه شط الحلة ثم يدخل نهر الفرات إلى محافظة كربلاء ثم إلى محافظة النجف والديوانية ثم المثنى ثم ذي قار ليتوسع ليشكل الأهوار، ويلتقي بنهر دجلة في منطقة كرمة علي فيشكلان شط العرب الذي تجري مياهه مسافة (120 كم ) لتصب في الخليج العربي.

يبلغ طول نهر الفرات من منبعه في تركيا حتى مصبه في شط العرب في العراق حوالي 2940 كم منها 1176 كم في تركيا و610 كم في سورية و1160 كم في العراق، ويتراوح عرضه بين 200 إلى أكثر من 2000 متر عند المصب، ويطلق على العراق بلاد الرافدين لوجود نهري دجلة والفرات فيها، وللمنطقة الممتدة بينهما حوض ما بين النهرين، علماً أنه يوجد في العراق 7 سدود عاملة على الفرات منذ سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين. من أهمها سد حديثة، كما تم وصل الفرات مع دجلة بقناة قرب سامراء.
ينبع نهر دجلة من بحيرة هزار الموجودة في جبال طوروس، والتي تقع في الشرق من تركيا، وتبعُد البحيرة حوالي (80 كم) عن منابع الفرات، يجري النهر حوالي 400  كم) ضمن تركيا، ثم يمر خلال الحدود التركية السورية العراقية بطول يصل إلى حوالي (50 كم)، وقد سرت مع هذه الحدود بشكل مواز على طول النهر من عين ديوار في الشمال حتى أقصى نقطة في الجنوب مع الحدود العراقية عام 1984  ويتفرع بعدها إلى عدة مسارات إلى أن يتَّحد مع نهر الفرات ويكوِّنا شط العرب ويُذكر بأن طول النهر يصل إلى (1850 كم).

السدود في تركيا: وصل عدد السدود في تركيا إلى 579 سدا تم إنشاؤها لأغراض إمدادات المياه والري وتوليد الطاقة المائية والتحكم في المياه، ومعظم هذه السدود شيّدت من أنواع السدود الترابية، وتبلغ القدرة التخزينية الإجمالية للسدود الكبيرة (208 سدا) حوالي 157 كيلومترا مكعبا تقريبا، بينما تصل القدرة الإجمالية للسدود كاملة حوالي 651 كيلومترا مكعبا، يُضاف إلى ذلك أن هناك 210 سداً تقريبا قيد الإنشاء في مشاريع مائية تسعى تركيا إلى تشييدها وفق ما ورد في كتاب “الموازنة المائية في العراق وأزمة المياه في العالم للباحث فؤاد قاسم الأمير.
أقامت تركيا ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول (الكاب) GAP) على نهري الفرات ودجلة22  سداً منها 14  سدا على نهر الفرات وأكبرها سد أتاتورك و8 سدود على نهر دجلة وأضخمها سد إليسو، و19 محطة كهرومائية، لاستصلاح مساحة كبيرة تعادل مساحة بلجيكا، ويشمل تسع محافظات وهي ديار بكر، غازي عينتاب، سيبرت، شانلي أورفا، أدي يامان، ماردين، كالس، شرناك، وبطمان.
وتقدر القدرة التخزينية للمشروع بنحو 100 مليار متر مكعب، وهذه القدرة تمثل ثلاثة أضعاف القدرة التخزينية للسدود العراقية والسورية مجتمعة وتبلغ كلفة بناء المشروع أكثر من 35 مليار دولار وعند إتمامه سيروي مساحة 8.5 مليون هكتار. وتحتل المنتوجات القطنية مكانة واسعة في مشروع الكاب، إذ ستزرع على 3.1 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في المنطقة.
دور الكيان الإسرائيلي: قدمت بعض الدول دعما لمشروع الكاب ومن بينها: كيان إسرائيل المحتل, الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، وفرنسا وقد أخذت تركيا قروضاً من إسرائيل لتنفيذ هذا المشروع، وطلب الكيان المحتل من تركيا شراء أراض في منطقة جنوب شرق تركيا، ولعل السبب الرئيس وراء الطلب الإسرائيلي هو الحصول على المياه، وبالتالي التحكم بهذه المياه والضغط على سورية والعراق، علماً أن مشروع الكاب تم تصميمه بأيدي خبراء إسرائيليين منهم خبير الري شارون لوزوروف، والمهندس يوشع كالي.
أما المشروع التركي الثاني الذي تم بمساعدة مالية من الكيان الإسرائيلي فهو مشروع سد أتاتورك، والجدير بالذكر أن 67 شركة ومؤسسة إسرائيلية تعمل في مشروع الكاب منذ عام 1995 وتقوم بشراء الأراضي على ضفاف نهر مناوغات الذي تطمح “إسرائيل” في شراء مياهه من تركيا لتلبية احتياجات المستوطنات اليهودية، وتقوم مؤسسة مشاو الإسرائيلية للتربية والتعليم بنقل التكنولوجيا الزراعية وإنشاء وإدارة الحقول إلى المزارعين اليهود في هذه المنطقة الواسعة التي تضم أربع محافظات في جنوب شرق تركيا.
سيؤدي مشروع الكاب إلى انخفاض مناسيب المياه الواصلة إلى العراق وسورية وبالتالي تدمير الأراضي الزراعية ومن ثم تصحرها، كما سيؤدي إلى انخفاض توليد الطاقة الكهربائية حيث سيؤدي هذا المشروع حال اكتماله إلى إغلاق أربع محطات لتوليد الطاقة الكهربائية في العراق تنتج 40% من طاقة البلاد، كما سيؤدي انخفاض مناسيب دجلة والفرات الى نفاذ مياه الخليج المالحة إلى شط العرب.
من أهم سدود مشروع الكاب GAP)) ( سد أتاتورك ) الذي يعتبر واحداً من أكبر السدود الركامية في العالم وقد دشن في تموز 1992؛ يقع السد على نهر الفرات في محافظة أورفه على بعد  24  كلم من مدينة بوزرفا، وعلى مسافة قريبة من الحدود السورية وهو يعد الثالث في العالم من حيث حجم قاعدته، والثامن من حيث الارتفاع 169 م الذي يصل طوله 1820م، والخامس عشر من حيث حجم المياه في بحيرة السد،48.7   مليارم3 ويحجز خلفه بحيرة صناعية كبيرة جداً تصل مساحتها إلى 817 كم² والثامن عشر من حيث إنتاج الطاقة الكهربائية حيث يوجد على السد ثمانية توربينات لتوليد الكهرباء بقدرة 2,400 ميغاواط.. ويلي سد أتاتورك من حيث الحجم سد كيبان حيث يحجز خلفه بحيرة صناعية بمساحة 675 كم²، وهناك    13 سد آخر على النهر منها: بريجيك، قره قايا (كراكايا)، و قرال قيزي و3 سدود بغازي عينتاب، و4 سدود بمشروع ادي بامان كهانا ويضم 5 محطات كهرومائية ومشروع جزرة إضافة لما ذكر يجرى حاليا إنشاء سدين جديدين قرب الحدود التركية السورية على نهر الفرات هما سد “بيره جك” وسد “قرقاميش”، يضافان إلى السدود الأخرى المقامة على النهر وسيعملان على تخفيض نسبة المياه الواصلة الى سورية لحدها الأدنى ,الذي ربما يقترب من الصفر , إذا لم تتخذ إجراءات مناسبة بهذا الخصوص من قبل سوريا والعراق.

يعد سد اليسو على نهر دجلة ثاني أكبر السدود المائية بعد سد أتاتورك العملاق المقام على نهر الفرات من حيث السعة التخزينية للبحيرة التي ستنشأ خلفه، كما ستكون محطته رابع أكبر محطة لتوليد الطاقة الكهرومائية بعد محطات أتاتورك وكيبان وكاراكايا، يقع السد بالقرب من قرية إليسو قرب منطقة دراغيتجين بين محافظتي ماردين وسيبرت على بعد 65 كم من الحدود السورية والعراقية، وهو من النوع الإملائي الركامي، يبلغ طوله 1820 مترا وارتفاعه 135 مترا وحجم سعته التخزينية حوالي 21 مليارم3، ومساحة بحيرته 313 كم2.  وسيولد 1200 ميغاوات  من  الكهرباء،  ليصبح  رابع  أكبر  سد  في  تركيا  من  حيث  الطاقة   الإنتاجية وافتتح في شباط 2018.
يؤكد الخبراء، أن سد إليسو سيكون له تأثيرات اقتصادية سلبية كبيرة على العراق وخاصة في قطاع الزراعة، إذ سيخفض السد من تدفقات المياه لنهر دجلة من 20 مليار متر مكعب سنوياً إلى أقل من نصف هذه الكمية، والذي يشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي العراقي.
وبحسب التقارير العراقية، فإن السد تسبب بتشريد نحو 80 ألف شخص من 199 قرية، إضافة إلى التسبب بحظر زراعة الأرز كونها تستهلك كميات كبيرة من المياه، ما دفع عدداً كبيراً من المزارعين لهجر أراضيهم. وشهدت مدينة البصرة احتجاجات استمرت شهوراً بسبب عدم وجود مياه صالحة للشرب، وفي يونيو (حزيران) الماضي حذر تقرير صادر من جمعية “المياه الأوروبية” من أن العراق قد يفقد بالكامل مياه نهري دجلة والفرات بحلول 2040، مؤكداً أن نهر دجلة وحده سيفقد 33 مليار متر مكعب من المياه سنوياً بسبب سياسة حظر المياه التي تتبعها تركيا.
تدمير الآثار: أكدت صحيفة “نيويورك تايمز” في تقرير لها، أن سد إليسو تسبب بغمر مناطق أثرية مهمة في قرية “حسن كيف”, التي كانت تشكل منطقة أثرية يعود تاريخها إلى العصر الحجري الحديث وكشفت المعلومات أن العديد من علماء الآثار وعلماء البيئة كانوا محبطين لتدمير وادي أثري بسبب السد، وأن جهود هؤلاء لإنقاذ المدينة التاريخية قد دمرت أمام استبداد أردوغان المتزايد، وشرد 80 ألف شخص من سكان المنطقة الأكراد بسبب هذا السد، وهم ضحايا طموح أردوغان الأرعن وقال رضوان أيهان المتحدث باسم جمعية “أنقذوا حسن كيف” لصحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إن حكومة أردوغان تبيع الناس أحلاماً وتسحق في الوقت نفسه واحداً من أجمل جواهر تراث البشرية.
الخطر الزلزالي: تعتبر تركيا من أكثر الدول تعرضاً للزلزال في العالم، أن السدود التركية  الأناضولية تقع في مناطق نشاط زلزالي مخيف، إضافة إلى ذلك فإن تكوين عدد كبير من البحيرات الاصطناعية خلف السدود ستولد نشاطاً زلزالياً إضافياً بسبب تحميل القشرة الأرضية ما هو فوق طاقتها التحمليـة وهذا يساعد ويفعّل نقاط الضعف والتصدعات في فوالق المنطقة.. وخاصة فالق الأناضول، الذي يمر بالمنطقة باتجاه  شرق غرب، مع العديد من  الفوالق الثانوية فيها, ما يتسبب في حدوث زلازل قوية ذات تأثير اقليمي.
وإذا انهار سد تركي أو أكثر من السدود العملاقة سيؤدي إلى دمار شامل لشرق سورية وغرب العراق ويصل الجدار المائي الطوفاني كما يسميه الخبراء إلى الخليج العربي جارفا معه مدنا وقرى كاملة، لأن سد أتاتورك لوحده يخزن قرابة 50 مليار متر مكعب من المياه وهذا يعادل الإيرادات المائية لدجلة والفرات حاليا لمدة عام كامل.. ولكي نتخيل حجم الكارثة إذا انهار سد تركي واحد عملاق بسبب زلزال أو عمل تخريبي في منطقة حروب في داخل تركيا وخارجها، لنتصور أننا جمعنا مياه النهرين لمدة عام كامل ثم أطلقناها في يوم واحد فماذا يحدث؟
لذا فإن إقدام تركيا على تنفيذ كل هذه المشاريع المائية -وفي زمن قصير نسبياً- سيؤدي وبلا شك إلى إلحاق أضرار بالغة بها وبسورية والعراق وفي المستقبل المنظور يتوقع أن تتعرض منطقة أرضروم إلى زلزال آخر خلال الأعوام القليلة القادمة بسبب نشاط مناطق الفوالق بعد الزلزال الذي أصابها في عام 1983
إن الخطر الزلزالي كما قال أحد الخبراء، كان كافيا لرفع شكوى ضد تركيا وإلزامها بعقد اتفاقية لتقاسم المياه وتحمل مسؤولية أية كارثة قد تحدث، ولكن الحكومات العراقية والسورية لم تقم بهذا الأمر حتى الآن.
الأهداف السياسية لتركيا: لا يمكن تصوّر مكاسب بناء السدود التركية من الناحية الاقتصادية التي تعلنها تركيا فقط، بمعزل عن الأهداف السياسية والتي أبرزها:
1- إضعاف معرضيها من الأكراد: يعارض الأكراد مشاريع تلك السدود التركية التي تتسبب في تهجيرهم من أراضيهم وتشتيتهم في أنحاءٍ متفرقةٍ من البلاد، وهو تحديدًا أحد أهم المآرب السياسية لتركيا من سدود GAP.
2- استخدام المياه كسلاح في الحرب السورية.
3- محاولة السيطرة على بلاد الرافدين وبلاد الشام من خلال السيطرة على المياه.

الأضرار الناجمة عن السدود التركية: على الرغم من أن مشروع السدود التركية من الممكن أن يحمل مزايا لتركيا في صورة مرحلية، إلا أن ظاهرة بناء السدود لها تأثير حاد على الإقليم والبيئة في المنطقة كلها، وسوف تتسبب في عيوب كثيرة للغاية لكل من سورية والعراق، حيث سيؤدي المشروع إلى تدمير الأراضي الزراعية، والجفاف، وانقطاع التيار الكهربائي نتيجة عدم القدرة على توليد الكهرباء من السدود العراقية والسورية، ونفوق الأسماك والثروة الحيوانية، والتصحر، فضلاً عن الغبار والملوثات بأنواعها، وحدوث ظاهرة الرياح الرملية. حرمان البلدين من 40% من الأراضي الصالحة للزراعة، ؛ بالتالي، سيؤدي ذلك إلى تردي الأوضاع الاقتصادية ، وارتفاع نسبة البطالة، لكن الأخطر هو إمكانية تشكيل موجة نزوح كبيرة للسكان.

بالإضافة لذلك، لم يقف خطر السدود التركية عند هذا الحد، فإن انهيار هذه السدود كفيل بجرف قرى ومدن بأكملها، وتزاد الخطورة إذا ما علمنا أن هذه السدود أقيمت في منطقة معروفة بالنشاط الزالزلي.
قامت تركيا بإغلاق بوابات عبور مياه الفرات إلى سورية، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه إلى “أقل من ربع الكمية المتفق عليها” خلافا للاتفاقية السورية التركية للعام 1987، التي تنص على أن تضخ تركيا المياه بمعدل 500 متر مكعب في الثانية، على أن  تكون حصة سورية 42% من إجمالي المياه من الكمية المتدفقة والنسبة الباقية الـ 58% إلى العراق “، وذلك تزامنا مع وصول استهلاك الري إلى الذروة ، وفي الرابع من الشهر الحالي انخفض منسوب المياه في بحيرة الأسد بمعدل خمسة أمتار لأول مرة في التاريخ مما أوقف توليد الكهرباء من سد الفرات مما ينذر بكارثة وشيكة تهدد حياة وسبل معيشة أكثر من ثلاثة ملايين سوري يعتمدون على النهر في تأمين مياه الشرب والكهرباء والري والتسبب بالعطش والجفاف وضرب القطاع الزراعي وهجرة السكان وحدوث كارثة بيئية في المنطقة.
وهذا جعل البعض يصفون ما آل إليه النهر (الذي يزود مياه الشرب لحلب عاصمة سوريا الاقتصادية) بأنه تحول من “نهر عظيم إلى مستنقعات”، بعدما كان يعد شريانا” رئيسياً للحياة في سورية، وخاصة في منطقة الفرات، كما وجدت مدينة الحسكة نفسها أمام مخاطر العطش، حين خرجت محطة علوك مجددا من الخدمة، وذلك بعدما أقدم النظام الأردوغاني على إيقاف ضخ المياه من المحطة (في ريف مدينة رأس العين) وهو ما يعني تهديد نحو مليون شخص بالعطش.
هناك سوابق للنظام التركي في قطع مياه الأنهار الآتية إلى سورية ففي عام 1950 قطع النظام التركي المياه بشكل نهائي عن نهر قويق الذي ينبع من هضبة عينتاب بجنوب تركيا, ببناء سد عليه وتحويل مجراه إلى داخل أراضيها لتحرم سكان حلب وأريافها الاستفادة من مياهه، وكان يمر مجراه ضمن  مدينة حلب ماراً ببساتينها.
وكان سكان حلب يعتمدون على قويق في مياه الشرب والري، واصطياد السمك. كما قطعت مياه نهر الجقجق الذي كان يتدفّق بمدن شرق الفرات في سورية، حتى يصبّ في مدينة الحسكة، كذلك نهر أبو الذهب ناهيك عن الأنهار الصغيرة الأخرى التي كانت تروي حقول حلب الشرقية.
المشكلة  الأخرى الخطيرة أيضاً هي مشكلة تلوث مياه النهرين فجودة المياه لا تعيرها تركيا أي اهتمام، وإنما ينصب التركيز كله على الكمية ،لذلك فإن المياه الملوثة الحاملة الأملاح والمواد الضارة المتسربة من تركيا إلى الأراضي السورية  ومن ثم العراقية في تزايد فقد أكدت بعض الدراسات العراقية أن نسبة التلوث في مياه الفرات زادت أكثر م ثلاثة أضعاف ومياه دجلة إلى أكثر من ضعفين بعد بناء هذه السدود.
إن تفاقم أزمة المياه بين دول حوض نهر الفرات ودجلة، تركيا وسوريا والعراق، وعدم التوصل لحلول عقلانية خلال أربعة عقود من الزمن يعود لربط ازمة المياه بملفات لا تمت بصلة للمياه وبشكل خاص الملفات السياسية والأمنية وتعتبر تركيا ازمة المياه وملف المياه كرت ضغط وسلاح  تحارب به كل من سورية والعراق والمنطقة بمجملها، وكذلك من أسباب تطور الأزمة عدم اعتراف تركيا بالصفة الدولية لنهر الفرات وتعده نهرا وطنيا عابرا للحدود وانه ثروة قومية خاضعة لسيادتها مثل النفط العراقي وكذلك رفضها التوقيع على اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997، فضلاً عن استمرار تركيا في إنشاء مشاريعها المائية علي النهرين دون مراعاة حقوق سورية والعراق وحصصهما المائية واستمرار التعاون التركي الإسرائيلي الذي كانت أول بوادره عام  ١٩٨٦بسبب ما سمي خط أنابيب السلام إلى الكيان المحتل ومنطقة الخليج, الذي أوقفته سورية, والمأخذ الأساسي على تركيا أنها تمتلك فائضاً مائياً يزيد عن حاجتها الأساسية في منطقة الأناضول مقابل عجز مائي تعاني منه كل من سورية والعراق.

لابد لسورية والعراق من العمل للتوصل سريعاً إلى عقد اتفاقية ثلاثية مع تركيا تحدد بشكلٍ واضح وقاطع ونهائي حصة كل طرفٍ في مياه كل من نهريّ دجلة والفرات على أن تُصاغ أحكام هذه الاتفاقية بما ينسجم وقواعد القانون الدولي في هذا الموضوع بعامةٍ ومبادئ وقواعد اتفاقية نيويورك لعام 1997 بشأن استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية بخاصة، وبما يتفق ومبادئ حسن الجوار وحسن النية والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب. وفي حال عدم التوصل لهكذا اتفاقية فإن حروب المياه ستكون العنوان الأبرز للمرحلة القادمة.

آخر الأخبار
"تقصي الحقائق" بأحداث السويداء تلتقي المهجّرين في مراكز الإيواء في إزرع علاقات اقتصادية مع روسيا في إطار تبادل المصالح واحترام السيادة الوطنية تعاون سوري – عُماني لتعزيز القدرات في إدارة الكوارث شراكة جديدة لتحديث التعليم وربط الشباب بسوق العمل زيارة الوفد الروسي.. محطة جديدة في العلاقات المتنامية بين دمشق وموسكو سوريا وروسيا تبحثان بناء شراكة قائمة على السيادة والمصالح المشتركة سوريا: الاعتداء الإسرائيلي على قطر تصعيد خطير وانتهاك سافر للقانون الدولي الشيباني: سوريا تفتح باب التعاون مع روسيا.. نوفاك: ندعم وحدة واستقرار سوريا استهداف قيادات حماس في الدوحة.. بين رسائل إسرائيل ومأزق المفاوضات "إدارة وتأهيل المواقع المحروقة للغابات" في طرطوس تحالف يعاد تشكيله.. زيارة نوفاك  لدمشق ملامح شراكة سورية –روسية  دمشق وموسكو  .. نحو بناء علاقات متوازنة تفكك إرث الماضي  بين إرث الفساد ومحاولات الترميم.. هل وصلت العدالة لمستحقي السكن البديل؟ حلب تفرض محظورات على بيع السجائر.. ومتخصصون يؤيدون القرار 1431 متقدماً لاختبار سبر المتفوقين في حماة أسواق حلب.. وجوه مرهقة تبحث عن الأرخص وسط نار الغلاء دمشق وموسكو.. إعادة ضبط الشراكة في زمن التحولات الإقليمية "اللباس والانطباع المهني".. لغة صامتة في بيئة العمل المغتربون.. رصيد اقتصادي لبناء مستقبل سوريا الأردن: القصف الإسرائيلي على سوريا تصعيد خطير وانتهاك للميثاق الأممي