أي قيمة للقانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية والبروتوكولات الملحقة بها ، إذا لم تلتزم الأطراف الموقّعة عليها بتنفيذ موادها وجوهرها ومضمونها ، وإن كانت مواد ميثاق الأمم المتحدة يتم اختراقها من جانب القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة الأميركية إضافة للعدو الصهيونى ، فإن الاتفاقيات المتعلقة بتقديم الحماية للمدنيين والدعم والإغاثة في الحروب والكوارث الطبيعية تفرض حدّاً من الالتزام الأخلاقي ، يعكس حقيقة التزام تلك الدول الموقّعة على الاتفاقيات بالمبادئ السياسية والأخلاقية التي يعلن عنها، كما تسعى الدول المعتدية لتعديل صورتها السلبية من خلال تقديم المعونات والمساعدات الإنسانية بحيث تبدي التزامها الدولي بتلك الاتفاقات التي وقعتها بادعاءات حرصها على القيام بدورها الإنساني للحفاظ على السلام والاستقرار والأمن والارتقاء بمستوى الخدمات الأساسية اللازمة للمجتمعات البشرية لتستمر بحياتها الطبيعية دون عوائق أو معيقات ، وفي حال خروج تلك المجتمعات عن مسار الحياة الطبيعية نتيجة الكوارث الناجمة عن الزلازل والهزات الأرضية والعواصف والحرائق والفياضانات وحتى الحروب تكون الدول الأطراف الموقعة على الاتفاقيات الدولية المتعلقة أمام واجباتها على محك الالتزام ، الأمر الذي لم يظهر من جانب الأمم المتحدة ومنظماتها الإغاثية خلال الأيام الحالية التي ترافقت مع الزلازل الذي ضرب سورية وتركيا على السواء .
(فالقانون الدولي الإنساني بدون احترامه والتقيد بأحكامه يصبح مجرد تعبيرعن مبادئ مثالية وقواعد أخلاقية، ومن ثم يتعين على الدول المساهمة كافة في تطويره وتعزيزه بما لها من مصلحة عامة في تطوير واحترام ونشر قواعده، وحيث أن أي انتهاك لقواعده من أطراف النزاع يمس بطريقة أو بأخرى المجتمع الدولي بأسره هذا من ناحية الالتزام بالاحترام، أما من ناحية الالتزام بكفالة الاحترام، فيعني أنه في النهاية على الدول سواء كانت طرفاً في النزاع أم لم تكن طرفاً فيه يجب أن تتخذ جميع التدابير الممكنة التي تكفل وتضمن احترام القواعد من قبل الجميع وبصفة خاصة أطراف النزاع ، بينما يرى البعض أن إرادة واضعي اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977 لم تنصرف إلى هذا المعنى، حيث لا يقصد فرض التزامات على الدول، لكن بالرجوع إلى الأعمال التحضيرية التي تساهم في تفسيرها يتبين لنا أن الأطراف المفاوضة أشاروا على الأقل لضرورة أن تبذل الدول كل ما في وسعها لكفالة الاحترام العام بالمبادئ الإنسانية التي تقوم عليها الاتفاقيات، وهذا ما أكدته الممارسة الدولية على امتداد أكثر من نصف القرن الأخير)، الأمر الذي يعكس رغبة المشرعين العالميين الذين كانوا يحلمون بنهاية الحروب بعد الحرب العالمية الثانية ، وهو ما خالف توقعاتهم وتخيلاتهم البعيدة ، فلا الدول الكبيرة التزمت بتلك الاتفاقيات وملحقاتها ولا الأمم المتحدة ومنظماتها الإغاثية والمختصة بالمساعدات الإنسانية تمكنت من القيام بواجباتها وفق المبادئ والتوصيات المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الملحقة .
ووصولاً إلى كارثة الزلزال الأخيرة فقد بدا واضحاً الموقف السياسي الظالم والخارج عن القانون الدولي والمتعارض مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة بما يعكس الأكاذيب التي تعيش عليها تلك الدول ، والتبعية التي يحياها موظفو الأمم المتحدة ، والضغوط التي تمارسها الإدارات الأميركية المتعاقبة ، بما يسقط جوهر ومعنى المجتمع الدولي من خلال منظمة الأمم المتحدة التي لم يعد بمقدورها فض النزاعات أو تقديم الحلول أو الفصل في الخلافات وصولاً إلى عدم القدرة على القيام بإجراءات المساعدات الإنسانية في الكوارث ، لنعرف كسوريين أن بناء بلدنا مرتبط بقدراتنا الذاتية مدعومة من الأصدقاء كطريق لمواجهة كلّ قوى البغي والعدوان ، التي لم تتعظ أمام أهوال كارثة الزلزال ، ولم تر فيها دافعاً للتعامل مع المتضررين دون تمييز.!