الهبّة البرلمانية العربية التي قادها رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي الرئيس الحالي للاتحاد البرلماني العربي إلى دمشق، ليست غريبة على بغداد التي هبّت شعبياً ورسمياً مع فجر الزلزال المدمر الذي ضرب شمال غرب سورية في السادس من شباط لإغاثة السوريين من تحت الأنقاض وفي مراكز الإيواء.
فقرار زيارة وفد من رؤساء برلمانات ووفود مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي الرابع والثلاثين الذي اختتم أعماله في العاصمة العراقية أمس إلى دمشق نسجه الحلبوسي الذي طالب في كلمته “الدول العربية على كافة المستويات البرلمانية والحكومية تبني قراراً نهائياً بعودة سورية إلى محيطها العربي، وإلى ممارسة دورها العربي والإقليمي والدولي بشكل فاعل، والعمل الجاد لاستقرارها وإعادة تأهيل بناها التحتية وعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم”.
إن البرلمانات العربية بوصفها ممثلة للشعوب ينبغي أن تعمل لإعادة ترتيب العلاقات العربية ضمن البيت العربي بعيداً عن المؤثرات والضغوط الأجنبية ونبذ الخلافات الجانبية وتوحيد المواقف لمواجهة التحديات الراهنة دولياً وإقليمياً، ومما لاشك فيه أن الموقف العروبي الذي انطلق من بغداد إلى دمشق بتأييد عربي واسع يشكل خطوة مهمة على طريق تعزيز العلاقات بين الدول العربية وعودة الروح إلى العروق التي يبست بفعل المقاطعة والخصومات المجانية.
الخطوة البرلمانية العربية تلقفتها دمشق واحتضنتها بقوة الانتماء العروبي الذي ينبض في “قلب العروبة” وشرايينها، وقد احتفت بضيوفها وأهلها كعادتها “أصحاب بيت” واستقبلهم الرئيس بشار الأسد الذي أكد أنّ الزيارة إلى سورية اليوم “تعني الكثير بالنسبة للشعب السوري؛ لأنها تعطي مؤشراً على وقوف أشقائه العرب إلى جانبه في الظروف الصعبة التي يتعرض لها بفعل الحرب الإرهابية وتداعيات الزلزال.”
سورية التي “فتحت أبوابها لكل العرب في مختلف المراحل” كما وصفها الحلبوسي، هي بالتأكيد لاغنى لها عن العرب اليوم وفي المستقبل ولا غنى للعرب عنها، والزيارة وإن كانت متأخرة كما وصفها رئيس الوفد البرلماني العماني حمود اليحيائي الذي قال ..”يا ليتنا أتينا دمشق قبل هذا اليوم”، إلاّ أنها خطوة مباركة في إعادة الدفء إلى العلاقات العربية-العربية.
ومن هنا كانت الزيارة البرلمانية بما تحمله من مضامين عروبية وتعاطف أخوي تعبر عن موقف سياسي وتحمل أبعاداً سياسية مزلزلة للحصار الغربي وتشكل محطة في إنهاء الحصار الجائر الذي تعاني منه سورية منذ سنوات.
لقد جاءت هذه الخطوة في ظرف عربي صعب وفي وضع إقليمي ودولي معقد، فلعلها تكون بداية خير لإعادة التعاون والتضامن العربي لمعالجة ما تتعرض له الدول العربية من تدخلات خارجية وفي رفع المعاناة عن الشعوب والدول العربية التي تعاني من الحرب والحصار والتدخلات الخارجية.
هبة عروبية تحسب للاتحاد البرلماني العربي ولرئيسه الحلبوسي ولجميع رؤساء البرلمانات والوفود الذين حطوا في دمشق أهلاً للعروبة والموقف المشرّف، وسيسجلها التاريخ بحروف من ذهب، وأمّا من تخلف عن الركب العروبي نأمل أن يلتحق به عما قريب.