رنا بدري سلوم:
لا يوجد فصلٌ عنصريّ بين وقت الإبداع ووقت الحياة، وقت المجتمع ووقت الإنسان، فالروح التي تبدع في لغة ما تبدع في الحالة الإنسانية، هكذا يُحكم الأديب الشاعر والروائي حسين عبد الكريم ضبط وقتنا النازف ويعرّف الكتابة في أيامنا المكلومة على أنها هذا الجرح الكبير الذي يلم شتات المعنى الإنساني والأخلاقي والإبداعي، يلم معنى اللغة والدلالات والأفكار، فلا يمكن فصل الروح عن الكتابة فكل ضرر هو ضرر إنساني.
الوطن وجعنا الوجداني
ويرى عبد الكريم أنه مهما تعددت الحداثات في الحبر والخيالات بين الفلسفة التي تعنى بالخيال ودلالات الكتابة والعقل العميق كل شي هو وطن، ووجدان الكاتب لا يتجزأ حتى في المعنى الإنساني الكوني هو شفاف وشاهق، مستذكراً الكاتب والأديب أدونيس الذي يتحلى بالأخلاق ويحمل الأحلام والوجع الوجداني والروحي ولغته المليئة بالضوء والذي لا يؤمن بالظلام، تراه يحن ويملك حنينه إلى قريته الأولى جبلة ووجع المتضررين فيها وبكل رقعة سورية أصابتها كارثة الزلزال، حتى تراه في الحالات الإنسانية والجرح الإنساني مثلاً حين رحل الكاتب ناظم مهنا خيم على قلبه الحزن الشديد، فالجغرافية الإنسانية ليست جغرافية هنا وليست هناك، حضارة هذا العقل السياسي البغيض، حضارة التوحش والحروب، هذه التي تحمل ثقافة تؤمن بالحروب تزلزل الإنسان كذلك الرأسماليون الذين يحملون بغضاء لأنفسهم ولهذا الكاتب الحقيقي هو الإنسان الحقيقي، بظني أن الكاتب الحقيقي لا يكون وطنياً هنا ولا يكون هناك ولا يوجد ضرر لا يلحق الأذى في معنى الكتابة والآمال والتفكير ولا ينتظر أي كاتب لحظة الضرر الكبير أو الهلاك حتى يفكر بأهله وأقربائه، هؤلاء أهلنا في الضراء والسراء، ليس بيننا فواصل في الزمن، نحن معهم في الحياة قبل أن نكون أثناء الكتابة وفلسفة العقل والتأملات، نحن مع الأهل مع الزمن الإنساني الشمولي الذي يكتب فينا معنى الشعر والأخلاق الإبداعية والتجديد، لا يوجد تجديد من دون إنسانية كبيرة ومن دون عقل إنساني كبير لا يوجد تجديد في لغة وحبر من دون مصداقية كبيرة في الواقع، ومن دون حنين كبير إلى آمالنا وأحلامنا وقيمنا الروحية التي تصبح مفردات وحداثة وما بعد الحداثة هي في حنيننا إلى وطننا، فالوطن هو الأهل هو في لحظة الضرر هو كلنا وفي لحظة الحياة هو كلنا وفي جميع الحالات نحن زرّاع حب في لحظة الهول الكبير لا بد من بحث كبير عن وطن كبير يجمع كل أوطاننا في جرحه ووطنه وعقله وروحه.
أبناء العافية والآمال
نحن أبناء هذه الأحلام الكبيرة التي هي وطننا هكذا عرفنا الأديب حسين عبد الكريم وأبناء هذه العافية التي هي إنسانيتنا وهذه الكرامات التي هي في الكتابة والأخلاق، فلا فصل عنصري بين الأخلاق والكتابة، الكاتب الجميل هو أخلاقي جميل بالضرورة يحب أهله بجمال عال ويبحث عن حب كبير لأهله، ليس من حق أي محنة أن تبعد روحنا عن روح الحياة، فالحياة شموليتنا في الكتابة والحب في أصغر التفاصيل في أصغر جدار متصدع في أصغر غصن ونهر عانى من اليأس واليباس، نحن نبقى نبحث عن هذا الحب الكبير الذي هو إنسانيتنا وهو ضماننا الوحيد، ذاكراً قول الشاعر فايز خضور الحب هو بعثنا المستمر في الحياة والحنين، هو انبعاثنا، سواء حملنا جراحاتنا الكبيرة أو إن استطعنا في مدننا وأنهارنا فالحياة هي الكرامة التي تسيج الكتب، تسيج اللغة والكتابة بشمسها فلا معنى للكتابة من دون وطن كبير يسيج المعاني بحبر المعاني بحبر الآمال الكبيرة، وقد كتبت في روايتي ” شرس هذا الشتاء يا حبيبتي” ” إن الوطن هو حالة الحبّ والوجدان زراعة بعلية ومسقية، زراعة في كل الأشكال لكنها تبحث عن قطرة للحب للأماني العظيمة التي هي نحن جميعنا بتقديرنا نحن أبناء الوطن واللغة هي آخر الشموس التي تكنس العتمة”.
وختم الأديب حسين عبد الكريم بالقول: التحية لكل الجراح التي لابد من صداقتها وعناقها فنحن أبناء الجراحات كما نحن أبناء العوافي والقصيدة فالمدينة الضامرة هي فينا وبحث عن ضوء في الكتابة لا معاني كبيرة أو صغيرة للكتابة من دون هذه العلاقات العظيمة في حالات شقائه وفرحه وحنينه الكبير الكبير.
التالي