غصون سليمان
تروي إحدى الأمهات كيف أن ابنتها طالبة الصف السابع تلازم الجلوس والنوم على كنبة عند عتبة الباب بصحبة محفظة فيها بعض حاجياتها من ثياب وبعض الحلوى وآلة الفلوت منذ وقوع الزلزال في السادس من شباط .
وقع كارثة الزلزال عند هذه الطفلة الشابة أعاد لها بعض الذكريات المؤلمة وأيقظت في داخلها ذاك الخوف الذي عانت منه يوم كانت قذائف الإرهابيين تتناثر شظاياها بالقرب من الحي الذي الذي كانت تقطنه..
من هنا وانطلاقاً مما سبق يؤكد خبراء واختصاصيوالدعم النفسي على وجوب وضرورة التفريغ الانفعالي باعتباره يخفف من آثار الصدمة النفسية والذكريات المؤلمة.
حيث تنبع أهمية التفريغ الانفعالي من كونه يمنع الفكرة أو الذكرى المؤلمة الولوج من الوعي إلى اللاوعي كي لاتؤثرعلى السلوك ،فنحن من خلال التفريغ الانفعالي يمكن تحويلها إلى خبرة نستفيد منها لاحقاً.
وفي متابعة لحديث الدكتور حسام الشحادة المختص بالدعم النفسي بفترات الكوارث يقول على سبيل المثال لا الحصر:معظمنا ربما تهجّر من بيته وحارته أثناء الحرب العدوانية نتيجة سلوك الإرهاب وبالتالي فإن أي شخص يتعرض للتهجير اليوم أصبح لديه خبرة سابقة لإعادة تأسيس منزل، أوالبحث عن فرصة ، أو تطويع المتغيرات.
وبالتالي بات لدينا القدرة على أن نعزز مستويات الصلابة النفسية والثبات الانفعالي لتجاوز حدود الخطر إلى حد ما ، وتتجسد أعراض الصدمة بداية حسب مؤشرات الدعم النفسي بالحالة الجسدية من خلال فقدان النطق، ونفسياً بالهلع والخوف من أشياء تثير مخاوف الآخر بسبب الذكريات المؤلمة كتزامن مرور سيارة حمراء مع وقوع كارثة الزلزال، فأصبح اللون الأحمر مرتبطاً بحدوث الزلزال مايثير الخوف المستمر، وهذا مايسمى بمدارس علم النفس الربط بين المثير والاستبيان وهو خوف غير مبرر، فاللون الأحمر لايثيرالخوف عند الأشخاص الطبيعيين، لكن عند الأشخاص الذين عايشوا الصدمة بتواجد اللون الأحمر فأصبح هناك ربط سايكولوجي أو نفسي أو انفعالي يمكن أن تصل إلى مستوى اللاوعي بطريقة حلزونية.
ومن المفيد هنا حسب رأي الدكتور الشحادة أن نبدأ مع الشخص المتأذي طفلاً كان أو يافعاً بطرح الأسئلة مثل أين كنت ساعة الحادثة، من كان معك ..وهكذا حتى نصل بالأشياء البسيطة إلى المطلوب فهمه ومعالجته، وهذه الأشياء البسيطة بالدعم النفسي يمكن أن يقوم بها أي شخص ويمارسها إذا كان الشخص يعاني من الخوف أو القلق أو الرهاب بالشق النفسي، فيما أعراض الحالة السلوكية قد يحصل فيها تبول لا ارادي، اضطرابات النطق ارتفاع ضغط الدم التنفسي السريع.
بينما الاضطرابات العقلية والانفعالية تتمثل بضعف التركيز، تشتت الانتباه بالنسبة للأطفال والمراهقين بمرحلة التعليم الأساسي فيصبح لديهم تراجع بالتحصيل المعرفي وعدم المشاركة بالنشاطات الصفية أو اللاصفية ، عدم الاهتمام بتعليمات المعلم والاستجابة لها بسبب الذكريات المؤلمة لذلك لابدّ من مرور، ثلاثة أشهر على الكارثة حتى يتدخل دور الدعم النفسي،لافتاً أنه لازلنا اليوم على مستوى الإسعاف النفسي، ونحاول من خلال وسائل الإعلام ودورات التدريب التركيز على التفريغ الانفعالي الذي يعزز الكثير من المهارات إذ يجعل الشخص أو الضحية الذي تعرض لصدمة معينة أن يستوعب ويكون دائماً على مستوى الوعي وألا ندع الذكريات المؤلمة أن تصل إلى اللاوعي.
وينوه الدكتور شحادة إلى وجود أعراض مهمة جداً تتعلق بالمهارات الاجتماعية،فقد لا تؤثر الصدمة على الحالة الانفعالية أو السلوكية ولا على النفسية،وإنما المهارات الاجتماعية ،فنرى العزلة الاجتماعية والتوقيع على الذات، لذلك من المهم والمفيد حسب رأي الدكتور شحادة أن يكرر أمام الضحية لاسيما خلال فترة الثلاثة أشهر من أن الخوف أمر طبيعي ،ومن الطبيعي أن يخاف الإنسان من حيوان مفترس،من سيارة مسرعة ،من كارثة طبيعية ومصطنعة، لأن الخوف ينأى بالصحة الجسدية أو النفسية عن أي خطر، لكن من غير الطبيعي ألا يخاف الإنسان على صحته وصحة أولاده من الكوارث الطبيعية والمصطنعة والتي تثير هلعاً معيناً بنسب متفاوتة تتجاوز الحدود الطبيعية عند بعض الأشخاص الذين لا يتمتعون أحياناً بقدرة على المحاكمة العقلية لما حصل .
وأضاف بعد مرور أيام على أول زلزال ضرب سورية نلحظ بأن الناس الذين عاشوا الهزات الارتدادية قادرين على اتخاذ إجراءات احترافية سواء كانت مادية أو نفسية أو انفعالية للنأي بأنفسهم قدر الإمكان عن مراكز الخطر التي قد تصيبهم بردود أفعال عصابية غير طبيعية بسبب حدوث الكارثة الطبيعية.